علاء مشذوب .. ليس آخرهم
علاء مشذوب .. ليس آخرهم
(التطهير الثقافي في العراق)
عراق العروبة
محمد الجميلي
ثلاث عشرة رصاصة أنهت حياة الروائي العراقي د.علاء مشذوب الذي كان يشارك المتظاهرين في كربلاء احتجاجاتهم ضد النظام الفاسد الذي جعل من العراق أنموذجا للبلد الفاشل .
كان ذلك مساء السبت 2/2/2019 وأمام بيته في المحلة القديمة وسط كربلاء، وكالعادة قيدت الجريمة ضد مجهول، ومن غرائب العراق بعد الاحتلال عام 2003 أن المجهول معلوم لكل العراقيين، ولكن كالعادة أيضا لا أحد يصل إليه !!
إن اغتيال الروائي علاء مشذوب الذي يحمل شهادة الدكتوراة في الفنون الجميلة دليل دامغ على أكذوبة الديمقراطية التي روّج لها الاحتلال وعملاؤه في العراق. وقد سبق هذا الروائي الآلاف من النخب العلمية والكفاءات بمختلف الاختصاصات تمت تصفيتهم منذ الأيام الأولى للاحتلال فيما أرغم عشرات الألوف منهم على ترك بلدهم تحت تهديد مباشر أو غير مباشرمن قبل العصابات المتحكمة في العراق .
لم يكن مشروع الاحتلال تدمير البنى التحتية للبلد فحسب، بل كان يشمل تدمير الإرث الثقافي لبلاد الرافدين وتجهيل الشعب وحرمان أبنائه من التعليم لتشِيع الأمية ويسود الفاسدون والفاشلون وأصحاب الشهادات المزورة وهذا كله أساس لا بد منه لترسيخ مشروع الاحتلال، وهو ما لخصه كتاب: التطهير الثقافي في العراق (أسباب نهب المتاحف وحرق المكتبات واغتيال الأكاديميين) لمجموعة من المؤلفين وتحرير رمُند بيكر وآخرين قالوا في مقدمتهم: إن الإدارة الأمريكية خططت لتدمير الدولة العراقية، ونفذت ذلك بوعي لأن وجود عراق قوي كان عقبة معطلة لمخططاتها الاستعمارية ومن ذلك بقاء <إسرائيل> القوة المهيمنة الوحيدة على المنطقة .
من قتل علاء مشذوب ولماذا ؟!
قبل الإجابة على السؤالين نُذكّر بأن إيران أعلنت مرارًا أنها الأقوى في العراق وأنها الأكثر تحكما فيه وأن بغداد عادت عاصمة لإمبراطوريتهم الجديدة وأنه لا يجري تعيين رئيس للحكومة أو وزير أو مسؤول إلا بموافقتها وعلى عينها، وأنها تحرص على مظاهر تؤكد هذه السيطرة عبر ذيولها ومليشياتها وعصاباتها في العراق، ونُذكر أيضا أن هناك رفضًا واسعًا وبيّنا للهيمنة الإيرانية على العراق، وأن المئات من شيوخ العشائر والناشطين في الجنوب جرت تصفيتهم بسبب موقفهم الرافض هذا، وليس سِرًا أن الروائي علاء مشذوب كان من هؤلاء الرافضين، ومنشوراته على صفحته الخاصة في الفيسبوك تؤكد ذلك، ومن أوضحها قوله: (إذا مرضت إيران تعافى العراق، والعكس صحيح) .. بل إنه هاجم الخميني وذكر أنه سكن العراق ما يقارب ثلاثة عشرعاما ثم بعد تسلمه الحكم في إيران أشعل حربا ضد البلد المضيف له سابقا، كان ذلك قبل أسبوعين تقريبا، وليست مصادفة أن يكون العدد ثلاثة عشر الذي ذكره عن سنوات الخميني هو عدد الرصاصات نفسها التي مزقت جسده ليلة أمس !!!
ولمعرفة الإجابة المحددة عن السؤالين أعلاه نذكر بتصريح ما يسمى بعضو المكتب السياسي في مليشيا العصائب خالد الساعدي في 16 تموز من العام الماضي أمام حشد من أنصار المليشيا بعد اقتحام المتظاهرين لمقراتهم بأن اليد التي تمتد لهذه المليشيا سوف تُقطَع وبأن أي لسان ينال منها سوف يُخرَس، كان ذلك علنًا وعلى الملأ ولم يصدر أي رد حكومي ضد هذا التهديد من مليشيا تضع نفسها فوق القانون وفوق الدولة .
ونُذكّر أيضا بتهديد (أبو مهدي المهندس) نائب قائد مليشيا الحشد -بل هو القائد الحقيقي لها- في 8 أيلول من العام الماضي لمتظاهري البصرة: نمتلك صورًا ومعلومات كاملة بالأسماء والعناوين عمن يدير الأمور في أحداث البصرة. وقال ما نصّه: شخّصنا الأمور وحددنا رؤوس إدارة الأحداث .
ونُذكّر أيضا أنه بعد تهديد المهندس بأسبوعين تقريبا اغتيلت الناشطة في التظاهرات سعاد العلي ثم بعد ذلك بأسابيع تمت تصفية الشيخ وسام الغراوي أحد منظمي تظاهرات البصرة كما قامت مليشيا الحشد باعتقال العشرات من المشاركين في التظاهرات تنفيذا لتهديد المهندس، كل ذلك والأجهزة الحكومية لم تستطع القبض على أي من مرتكبي جرائم الاغتيالات .
هل كان الروائي د.علاء مشذوب أحد رؤوس المظاهرات في كربلاء؟ الجواب نعم بحكم مكانته كأكاديمي ومن المثقفين البارزين وله منشورات صريحة بدعم هذه المظاهرات والمشاركة فيها وهو القائل في أحد منشوراته في 20 تموز من العام الماضي: (صديقي المتظاهر لا تخالني أنني لا أعرف طغيانهم، وإن ثمة حماسة تدفعني، إعلم أن حبي أكبر من جبروتهم) .
بات واضحا أن من قتل الروائي د.علاء مشذوب أمام منزله هو من لا يريد للتظاهرات أن تستمر، وهو من لا يسمح بانتقاد الخميني فضلا عن ذيوله في العراق، وهو من لا يريد تنوعا ثقافيا في العراق، وهو من لا يؤمن بشيء اسمه حرية التعبير، وهو من يملك مليشيات فوق القانون وفوق الدولة .
هل سيتم الكشف عن قاتل علاء مشذوب ؟!
لم يحدث منذ الاحتلال وحتى اليوم أنه تم اعتقال مرتكبٍ لأي جريمة من جرائم الاغتيال السياسي أو التصفية الطائفية وغيرها، وإن حدث أن اعتقل أحدهم، فهي جريمة أخرى ترتكبها المليشيات للتغطية على الفاعل الحقيقي، ونُذكّر بتصريح حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي في كانون الثاني عام 2012 بعد أربع سنوات من اغتيال كامل شياع المستشار الثقافي في وزارة الثقافة، بأن قتلة كامل شياع هم ضباط في وزارة الداخلية وأن وزير الداخلية في حينها يعلم بهذا الأمر لكن الملاحقات بحق مرتكبي الجريمة لم تنفذ !!!
ستمر جريمة اغتيال الروائي د.علاء مشذوب كما مرت آلاف الجرائم أمثالها، وفي نعي وزير الثقافة عبد الأمير الحمداني الذي فرضته مليشيا العصائب ما ينبئ عما سيكون، فقد ورد في بيان نعيه أنه تلقى نبأ وفاة الروائي د.علاء مشذوب، هكذا، وفاة وليس اغتيال أو تصفية كما هو الأمر في الحقيقة، وسيشكلون لجنة تحقيق تضع ملف نتائجها مع الآلاف من الملفات قبله وسلِّم لي على العدالة .
إن تدمير الثقافة أو قل التطهير الثقافي في العراق ليس بقتل المثقفين أو تهجيرهم فحسب، بل إنه بما يجري على قدم وساق في مدارس العراق من فرض المناهج الطائفية وتلويث عقول الصغار في رياض الأطفال بأحقاد تاريخية لا أساس لها من الصحة، وإن التطهير الثقافي هو تحويل حرم الجامعات العراقية العريقة إلى ساحات للطم والتطبير في سعي لفرض لون طائفي واحد على مؤسسات الدولة والشعب كما يحصل حتى في معسكرات الجيش ووحداته بل وكل مؤسسات الدولة، ولا تقل ما الذي يفعله نواب الشعب في برلمانهم فإن هؤلاء ديكورات للضحك على الذقون لا غير، رضوا بالتافه من الهِبات أو الكبير من النُهْبات لتمرير أكبر عملية تدمير لبلد عظيم في العصر الحديث .
0 التعليقات: