أخر الأخبار

.

وقوفٌ الموتى عند شُبّاكِ الحُسين


وقوفٌ الموتى عند شُبّاكِ الحُسين
****************************

عراق العروبة
د . عادل الشرقي


تُرى هل كنتَ تعرف منذُ أن غادرتَ أنَّكَ ميِّتٌ وتسيرُ في الزمن الذي يأتي من الماضي البعيدِ فترتدي وجهاً تراهُ ولا تراهُ ، يُقيمُ ما بين الحقيقة والخيالِ ، فوجهُكَ العاري يُسافرُ في العيونِ فلا يرى إلاّ بلاداً لم تعد نفس البلادِ كأنَّ شيئاً في المواسمِ قد تبدَّلَ ربّما الأيامُ قد لبِستْ زماناً والغاً بالجريِ خلفَ ظلالِنا ، يا أيُّها المولودُ من بعد المماتِ فهل ستولدُ مرتينِ وأنت لمّا زلتَ مذبوحاً ويشهدُ كلُّ من قتلوكَ أنكَ لم تزل تجري دماؤكَ ، صحتُ يا حنّانُ يا منّانُ كُن للقادمِ الآتي مُعيناً فهو لا يدري أهذي الأرضُ نفسُ الأرضِ أم أن الوجوهَ تبدَّلتْ فالأمرَ مُلتبسٌ على البُلداءَ مثليَ هكذا قالَ الرُّعاةُ لمن أضاعَ طريقهُ وتبدَّلتْ من تحت خطوتهِ المسافة ، هذهِ الأيامُ قد رسمتْ عوالمها أصابعُ ذلك الرَّسامِ وهو يجولُ تحتَ ثيابنا زمناً ويرحلُ في التفاصيلِ الكثيرةِ ، من دموعِ الأمهاتِ على جثامينِ الشبابِ ، إلى المراقدِ وهو مُتخمةٌ بآلافٍ من الباكينَ والمُتشبثينَ برحمةٍ للأولياء ، ينوحُ شيخٌ عند شُبّاكِ الحُسينِ ويفتحُ الأزرار ثمَّ يصيحُ : يا سبط النَّبيِّ لقد أتيتكَ ، أرجلي تعبت ، وخنجرُ هذهِ الأيام مُنغرزٌ بأضلاعي ، فأسألكَ الشَّفاعةَ يا ولي اللهِ ، قد قتلوا الزَّمانَ ولم يعد في الناسِ من يمشي على قدميهِ ، آلافُ المقابر شُيِّدتْ تحتَ الأضالعِ ، إنَّ أثوابي مُمزقةٌ وجوفيَ مُثقلٌ بالخوفِ ، هل تدري بأنَّكَ قد رحلتَ إلى بلادٍ في أقاصي الأرض ، إنَّكَ قد رحلتَ بأعينِ الفقراءِ ممن غادروا هذي البلاد فجلُّهم شدوا على الشُّباك أدعيةً يُخبِّئُها قماشٌ أخضرٌ فانظر إلى الشُّباكِ يا سبطَ النبيِّ ستُبصرُ الشُّهداء قد شدوا أصابعهم عليه ، قلوبهم تبكي وأعينُهم تُطالعُ وجهكَ القُدسيَّ ، 
كيفَ أعودُ لا أدري فنفسيَ لم تزل في الأرض شاردة ، وما عاد الزّمانُ هو الزمانُ ، وربما ما عُدتُ مولوداً فهذا الوعدُ وعدٌ كاذبٌ ودمي الذي سفكوهُ ما زالت بهِ الطرقاتُ قد لبِستْ قميصاً أحمراً ، يا للبلادةِ فيكَ يا قلبي ، أتحسبُ أن هذي الأرض تمنحُ للضحايا المُتعبينَ ولادةً أخرى ؟

0 التعليقات: