انا .. وانتخابات إتحاد الأدباء .. وقضية الـ” قوائم ” – جزء أول
انا .. وانتخابات إتحاد الأدباء .. وقضية الـ” قوائم ” – جزء أول
عراق العروبة
جواد الحطاب
تعوّدت – دائما – في كل الكتابات التي انشرها هنا في صفحتي ، أن أحرص على تقديم ما يثبت صدقية ما أقول بالدليل “الورقي” او الشاهد “الشخصي”، إيمانا مني بالمثل الذي جعلته شعارا حياتيا لي، وثبّته بكتابي ” يوميات فندق ابن الهيثم ” والذي يقول ( اذا أردت ان تكذب .. فابعد شاهدك ) .
وبما اني لا أحب الكذب، وليس هناك من ضرورة تلجئني اليه – الا مع النساء بالتأكيد -، كنت أحاول ان يكون شاهدي معي فيما أرويه، مع يقيني الكامل بأن غالبية من اعرفهم، متأكّدون من هذه الصفة التي فيّ، والحمد لله.
بعد أيام ستجري انتخابات اتحاد الأدباء في العراق، وهي انتخابات من الأهمية بمكان، لتعلّقها بحقوق وخطط مستقبلية تهمّ واحدة من أهم شرائح المجمتع العراقي، الا وهي “شريحة المبدعين” والذين هم في كل دول العالم يشكّلون “الطليعة المثقفة”، مثلما هم في مجمل التاريخ العراقي المعاصر قادة حقيقيون للنضال يتقدّمون صفوف المقاتلين دفاعا عن الشعب العراقي، بجميع فصائله وقومياته واعراقه، ولعل في الزنزانات، والسجون، والمنافي، وأصقاع بلدان الهجرة، أكبر دليل على ذلك.
وبالتالي فأنّ التسابق او الاشتراك بهذا المارثون، هو إشتراك من أجل تقديم “خدمات نقابية” تسعى لإنصاف مظلومية الأدباء والمبدعين، ومحاولة – جادّة – لإنتزاع حقوق هي في الدرجات الدنيا من الحقوق المدنية، وموجودة حتى في بلدان متخلفة مثل مورتانيا او الصومال، كـ”التأمين الصحي” وقوانين ” تقاعد الأدباء ” والـ” رعاية الاجتماعية ” للأديب وعائلته.
ومن ناحية أخرى تبنّي منجزه المطبوع والمخطوط ، ونشره داخليا وخارجيا، فضلا عن محاولة التعاقد مع مترجمين محترفين لترجمة أهمّ الأيقونات العراقية، في الشعر، والقصة، والرواية، وباقي فنون الإبداع، وتقديمها للعالم كإسهام رافديني يضيف للأدب الانساني، وبما يستحق المساندة والإشادة والتنويه، حاله حال الكثير من آداب دول الجوار الأقليمي، في الأقل، ولا أريد ان أرفع سقف أمنياتي فأذكر أدب أمريكا اللأتينية، أو اليابان أو الصين أو بعض الدول الأفريقية.
إذن .. التسابق الإتحادي هو تسابق مهني، ليس له علاقة بالسياسة، أو الاستهداف الشخصي لـ”س” أو “ص”، فكل الزملاء في هذه الدورة، وفي الدورات السابقة ايضا عملوا جهدهم، لكنّ ظرف العراق الإستثنائي، وما مرّ به من إحداث، هو الذي كان وراء ما شخّصه بعضنا من “تقصير”، أو “عدم تبنّي” لمشاكل أساسية في حياة الأدباء، معالجتها هي من صلب “العمل النقابي” وإن كان العراق لا يكلّف منظمة ما الا وسعها.
في هذا الجوّ المهيئ لهذا العرس الإنتخابي والذي نتمناه ان يقدّم صورة ناصعة للروح العراقية العابرة للطائفة والإحتقان، يحاول “بعض الفاشلين” ان يعيدوا أدباء العراق الى مراحل تجاوزها التاريخ، مثلما تجاوزتها الروح العراقية التي إمتلأت جراحا، وأثخنت خيبات، من دون أن يراعوا عمرهم، ولا تجربتهم، ولا الأفق الجديد الذي يجب ان يُبنى ويكون مثالا يحتذى به، وكلّ همّ هذا البعض هو أن يعودوا الى “الواجهة” !!
علما ان بإمكانهم ارتقاءها ثانية، ولكن ليس بهذه الطريقة التي تجعل الجوّ الأدبي مشحونا بالضغائن، والتخوين، والإتهامات البائسة، فنحن في مرحلة تسعى كل الجهات – بما فيها الجهات المتقاتلة سياسيا – الى خلق روح متسامحة جديدة، لعلّها تنقل الواقع العراقي المملوء دخانا وسخاما، الى أفق تشرق فيه شمس الأمل والحياة المعافاة السليمة..
ولهذا البعض، ولكل الأصدقاء المهتمين بالتوثيق، أقدّم مواقف من تجارب سابقة مرّت علينا أيّام قيادتنا للإتحاد بداية التسعينات والى ما بعد منتصفها بعام تقريبا، وشهود هذه المواقف أحياء وموجودون في وسطنا الثقافي الحاضر، وبأمكان كلّ من يريد التحقّق مما سأذكره الآن ان يتصل بهم او يضرب موعدا معهم للتأكد من صحة ما سأرويه الآن.
أحد الأصدقاء الشعراء الذين خرجوا من العراق، وانضمّ للمعارضة في الخارج، كان يهاجم النظام بمناسبة وبلا مناسبة، وهذا مفهوم للجميع، لكونه قد قدّم أوراقه لغرض القبول في “اللجوء”، لذا كان عليه الإستمرار في الشتم ، سواء في اللقاءات او في الكتابات النثرية، أو القصائد التي ينشرها في الصحف والمجلات.. حتى صار إسمه المعارض معروفا، وأخذ جوائز تكريمية فيما بعد، من جهات عدّة.
هذا الصديق، أوصل لي رجاء شخصيا، وهو ان أحاول إعطاء ” حصته التموينية” الى والدته لحاجتها الى هذه المواد الحياتية المهمة، فقد كانت سنوات حصار وتقشّف مرّ !!
كان الطلب ليس غريبا فقط ، وانما من الإستحالة بمكان، ومتابعته مغامرة ليست مأمونة العواقب على الإطلاق، لأنّ التعليمات الرسمية تفيد بأنّ اي عراقي في الخارج تقطع عنه هذه الـ” حصّة ” أوتوماتيكيا، وإذا أرادها فعليه ان يقدّم اسباب سفره خارج العراق، ومسوّغات مكوثه في الخارج، وموقفه من “الحزب والثورة”.
وكل هذه التي ذكرتها كان من الإستحالة ان يوفرها الشاعر المعني، فهو يوميا يشتم النظام، ويهاجمه في الكتابات، وبالتالي ليس من مجال لتبرير إعادة ما طلبه..
لكنّ هذا الصديق مسكني من يدي التي توجع وهي ” الأم ” وكانت الحصة التموينية في أيام الحصار وسيلة أساسية من وسائل استمرار الحياة.. لذلك قررت كـ” نقابي” وأكرّر كـ “نقابي” ان اسعى لتحقيق مطلبه، فمهما كان موقفه فهو – أولا وأخيرا- أحد أعضاء إتحاد الأدباء الذي أوصلتنا أصوات المنتسبين اليه الى قيادته، ولذا علينا التصرف بما يمليه علينا ضميرنا “المهني” وليس خوفنا من عواقب هذا التصرف.
كان مسكن الشاعر قبل مغادرته العراق، يقع في منطقة “الأمانة” المقابلة لمدينة الصدر، وكنت أعرف ان الأديب “حسين الجاف”، الذي كان متواصلا معنا – أيّامها – بشكل دؤوب، يسكن في تلك المنطقة، فأرسلت في طلبه وفي بالي شيء واحد، وهو ان “ابا احمد” كان مدرسا، ومشرفا تربويا في تلك المنطقة، وبالتالي فلابدّ وان الكثير من أولياء أمور طلابه يكنّون له الإحترام والتقدير، وربما هناك من بين طلابه قد يكون اليوم مسؤولا، ولهذه الأسباب التي ذكرتها لنفسي، فان بإمكان “الجاف” ان يستغل هذا الجانب لتسهيل قضية “الحصة التموينية” موضع المشكلة.
![]() |
حسين الجاف |
حين طرحت الموضوع أمام “حسين الجاف” أشار الى استحالة ما أريد ان اقدم عليه، لأن “الحزب” هو الذي يشرف على “التوزيع”، وفي “الجرد” ان صديقنا المذكور هو خارج العراق الآن، وأسمه معروف كـ”معارض” والتموينية مقطوعة عنه لكونه خارج العراق، ولكونه معارضا، وقضية ارجاعها اليه، اولا، ستحتاج الى مقبولية حزبية، وواسطة لم نكن نجرؤ على مطالبة أيّ مسؤول بها، لأنها مخالفة للضوابط التي وضعتها الدولة.
ثانيا، تأتي قضية استحصال موافقة الجهات المسؤولة لإستلام الحصّة من شخص لم يدرج إسمه ضمن الأسماء الموجودة في قائمة هذه الوثيقة !!
وبعد نقاش مستفيض مع “الجاف” طلب ان أعطيه وقتا ليستطلع الأمر، ويعرف من “المسؤول الحزبي” الذي يشرف على قاطع المنطقة.. ومن يمكن ان يأثّر عليه بهذا الصدد.
فوافقت واتفقنا على لقاء قادم.
بعد أيّام جاء لي الأديب والمترجم الكردي “أبو أحمد”، وأبلغني بأنه عرف المسؤول، وانّه سبق وان درّسه في مرحلة تعليمية سابقا، وبعد محاولات عدّة معه، إستطاع ان يقنعه بان يساعدنا في هذا الأمر، فوافق الرجل إكراما لمعلّمه القديم، شريطة ان يأتي اليه بكتاب من “إتحاد الأدباء” يتعهد فيه الإتحاد بان هذا الشاعر، قد خرج من العراق بعلمه وموافقته، وان الاتحاد يزكي موقفه السياسي في الخارج، ليخلي مسؤوليته هو في حالة التحقيق معه ذات تقرير ربما يكتبه من يريد الإطاحة به لسبب أو لآخر !!
وكان طلب المسؤول هذا يعني انتحار لي وللصديق الجاف، لأن أي “تقرير” كهذا الذي خاف عواقبه المسؤول، يعني انّه سيؤدي بنى الى ” الأمن العام ” والنتائج معروفة لمن يتعاون مع “المعارضة” في تلك الأيام!!
ومع ذلك ..
دبجّت كتابا من إتحاد الأدباء، وبتوقيعي كـ” أمين عام ” وعنونته الى الجهة المسؤولة عن تموينية “منطقة الأمانة” مزكّيا فيه موقف الشاعر، وعلمنا –كإتحاد- بخروجه من العراق، وأين هو الآن، راجين تسليم “حصته التموينية” لوالدته.
من حقّ أي واحد يطالع هذا المنشور ان يتساءل بينه وبين نفسه، لماذا الإقدام على هذا الفعل إذا كان بمثل هذه الخطورة ؟!!
وإجابتي عليه هي :
ان هذا الشاعر الذي ارتكبنا من اجله هذه المغامرة القاتلة ” هو عضو في “إتحاد الأدباء ” ونحن مسؤولون نقابيّون عن كل إموره، وإستحقاقاته النقابية، ولذلك تصرفنا بمثل هذا الجنون.
أخي حسين الجاف ..
وأنا استذكر موقفك ذاك: أرفع لك القبعة على شجاعتك التي يفتقدها الكثيرون اليوم، وفي المقدمة منهم الذين يريدون ان يروّجوا للـ”قوائم” ويلعبون هذه الورقة السوداء، تداركا منهم لخسارتهم القادمة، لأن الأدباء والكتاب العراقيين سأموا هذا الخطاب الذي يمزّق وحدتهم، ونضالهم المشترك، النضال من أجل إعلاء إسم وعمل ” نقابة ” مهنيّة حقيقية تلتزم بقضاياهم ومصالحهم، وتجاهد من اجل حقوقهم المشتركة.
……
و.. سأعود الى قضية القوائم في منشور قادم
ومعي شهودي .. بالأسماء والوثائق والعناوين .
0 التعليقات: