أخر الأخبار

.

فشل الإعلام المقاوم - الأسباب والنتائج


فشل الإعلام المقاوم - الأسباب والنتائج


عراق العروبة
علي الحمداني




من المعروف أن تحرك الإعلام في ظل النضال السلبي ، أي عندما يمارس دوره وهو خارج الحكم وفي المعارضة ، هو أصعب بكثير عن تحركه وإنتاجه عندما يمثل نظاماً سياسياً قائماً . الأسباب في ذلك معروفة منها فقدان الدعم بكافة أشكاله ، ومنها حرية الحركة ، ومنها أنه يمثل سياسة دولة وحكومة ويتفاعل مع بقية أجهزتها المتاحة وهكذا . لكنه وهو خارج الحكم يفتقد الى كل ذلك من جهة ، ومن جهة ثانية فإن استراتيجية عمله وأهدافه وخطابه سوف يتغير عما كان عليه وهو يمثل نظاماً سياسياً . بمعنى ، إذا كان الإعلام الرسمي يتكلم في أدبياته عن النظام السياسي او الحزب الذي يمثله وعن سياسة الدولة او تمجيد القيادة او شخص القائد ، فإن ذلك كله يصبح غير وارد وهو يمارس دوره وهو خارج الحكم او في المعارضة ويواجه حرباً شرسة وهو يعمل في الظل ، وأن عليه اختيار استراتيجية جديدة وطرق عمل جديدة وخطاب جديد في التعامل بل الأكثر ان جمهوره سيكون جمهوراً جديداً مختلفاً عن السابق . فإذا فشل في تحقيق ذلك فإنه يكون قد حكم على دوره بالفشل وعلى قضيته بالإضمحلال .

ما ذكرناه أعلاه هو ما واجه إعلامنا الوطني وهو في المعارضة وأدى الى ضعفه وفشله في العديد من ممارساته مع وجود بعض الاستثناءات يجب ان تذكر إنصافاً . تلك الاستثناءات كانت تتمحور بقيام بعض الشخصيات الوطنية المؤهلة أكاديمياً او علمياً بأنشطة رصينة من خلال محافل دولية مثل بعض منظمات الأمم المتحدة كمنظمة حقوق الإنسان وغيرها حيث نجحت وبشكل فاعل في طرح الأزمة العراقية للدولة والمجتمع أمام أنظار العالم. 

وجود هذا الاستثناء لا يعني إطلاقاً أن بقية الناشطين في الإعلام المقاوم هم ليسوا من الشرائح الوطنية النظيفة والمشهود لها بل العكس فإن معظمهم هم من الوطنيين العراقيين ولكن الخطة المركزية لهذا الإعلام لم تكن بالمستوى المطلوب وأسلوبها وممارساتها كانت مخطوءة ومع الأسف مما ادى الى بعثرة الجهود وعدم تحقيق الغاية الجوهرية من وجود إعلام مقاوم في الغربة في وقت كانت فيه الإمكانات متاحة لها بسبب تحركها في ساحات تؤمن بالحرية الشخصية وتوفر لها غطاء لتحركها بحرية. 

تجربتي الشخصية ومن زاويتين مختلفتين تؤيد ما ذهبت اليه . الزاوية الأولى انه قد اتيحت لي فرصة شرف المشاركة في هذا النشاط الإعلامي من خلال عملي في بعض التنظيمات واللجان . والزاوية الثانية وأنا خارجها ولكن متابع لها ولأنشطتها . 

النقطة الإيجابية للنشاط الإعلامي المقاوم والتي لابد من ذكرها هي الانطباع الذي خلقه هذا النشاط لدى ابناء الجالية العراقية والجاليات العربية في الخارج وكذلك المتابعين في الداخل للقنوات الفضائية المعنية او النشريات هنا وهناك ، من وجود صوت وطني يقارع الاحتلال وحكوماته التي تم فرضها على الوطن .

هذه كما نعلم هي عملية مهمة وأدت دورها ، ولكن ، هل كانت تكفي لتغطية أبعاد القضية ، وهل تم استخدامها بشكل صحيح ؟
لا أريد أن أتطرف بالحكم على ذلك وأكون غير منصفاً ، ولكنني أقول أن هذه الإيجابية قد تكون غطت ٥٠٪؜ من الرسالة الإعلامية ولكنها فشلت في تغطية الـ ٥٠٪؜ المتبقية وقد تكون هي الأهم في إعلام فاعل ومؤثر .

العملية الإيجابية وكما قلنا كانت هي الانطباع الذي خلقته والدعم المعنوي للعراقيين في الداخل والخارج وللمتعاطفين معهم من العرب ومعظمهم من المحبطين نتيجة ما يجري في العراق منذ الاحتلال في ٢٠٠٣. 

ولكن ، لماذا نقول فشل هذا الإعلام في تحقيق أهدافه كاملة وأنه قد حقق ربما بحدود ٥٠٪؜ من النجاح ..؟
أختصر بالنقاط التالية :

* وجه الإعلام خطابه لنا كعراقيين بلغتنا وبفيض عواطفنا وألم معاناتنا . لا شك اننا شاركناه ذلك وتحمسنا له على الرغم من اننا نعلم الكثير من التفاصيل التي يطرحها . لكن هذا الإعلام أهمل ، وهو في المهجر ، مخاطبة العقل الغربي وأحرار الفكر وبلغتهم وبطريقة طرحهم ومناقشتهم للمواضيع المختلفة فخسر بذلك خلق قاعدة جماهيرية في المهجر كان يمكن تطورها ونضجها لتصبح ( لوبي ) عراقي وعربي ، أي جماعة ضاغطة من أجل الكسب لقضيتها العادلة .

* الإصرار على عرض القضية العراقية عن قصد او عن غير قصد بشكل يوحي للمستمع والقارئ انها تمثل حزب البعث العربي الاشتراكي وطرح وجهة نظره في الموضوع . لا ضير في ذلك بشكل عام فالحزب قدّم عشرات الآلاف من الشهداء وهو اكثر الشرائح التي عانت وفوق ذلك لا يمكن لأي عاقل التنكر لوطنية البعث والتصاقه بالأرض. ولكن علينا ان نأخذ بنظر الاعتبار طبيعة المرحلة والظرف والمكان والجمهور وثم الهدف والغاية من الجهد الإعلامي .

* التركيز على ممارسات تقليدية مثل التظاهرات وعقد المؤتمرات . هذا لا يعني ان هذه الممارسات كان يجب ان تلغى ولكن كان يجب تنظيمها وتفعيلها بشكل أفضل وخصوصا ما يتعلق بما ذكرناه في النقطة السابقة فالغاية توسيع القاعدة الجماهيرية وليس تقليصها .

* على صعيد الكتابات الصحفية فإن غالبيتها وهي تناقش قضايا سياسية فشلت في تناول مشاكل الحاضر واقتصرت على الغلو في نشر صور الرئيس صدام حسين رحمه الله والتركيز على هذه الجوانب دون تقديم تحليل سياسي او دراسات ذات أهمية. أفهم أن الكثير من هؤلاء من اخوات وإخوة ممن لديهم صفحات ومواقع قد لا يمتلكون المعلومة او الخلفية السياسية التي تؤهلهم للولوج في عمق التحليل السياسي والمناقشات العلمية ، ولكن المشكلة انهم بما ينشرون يجعلوننا نفهم انهم يمثلون جهة واحدة فقط وهذا بحد ذاته لا يحقق الهدف من إعلام المقاومة في المهجر بل يسيئ اليه . المشكلة الأخرى مع هؤلاء انهم يتعاملون بعاطفية وتعصب فلا يتقبلون النقد او النصح ويضعون المقابل في خانة العدو فيسيئون الى عملية الكسب الجماهيري المستقل للقضية وكم من حالات الحظر لأصدقاء لهم على صفحاتهم قام بها هؤلاء نتيجة نقد وجه اليهم . أنا شخصياً ممن عانى من ذلك. 

* من الصعب طبعاً السيطرة على الناشرين في عالم الصحافة الإلكترونية والتي تجعل من اي شخص كاتباً إذا ما شاء ذلك ، ولكن لا اعتقد انه يصعب توجيه بعض الكاتبات والكتاب الذين يُعرف توجههم وانتماءهم الوطني. مركزية الإعلام المقاوم مهمة جداً لأن موقف هذا الإعلام هو حساس جداً .

* لا شك ان الإعلام المقاوم مستهدف من قبل أعدائه لغرض اسقاطه وفي كثير من الأحيان بشكل غير مهني وغير أخلاقي ، لذلك على هيئات ولجان وقادة هذا الإعلام توجيه أنشطتهم وعملهم بعيداً عن أي فعل يوحي بالتحزب وبعيداً أيضاً عن الطرق التقليدية لتحرك الإعلام كما لو كان تحت حماية نظام سياسي يمثله. 

* بعض الوجوه الإعلامية المعروفة اتجهت الى تمجيد أنظمة عربية او إقليمية وبعضها غالت في ذلك وهذا في تقديري كانت له آثار سلبية على سمعة الإعلام المقاوم واتهامه بأنه ينتمي الى هذه الدولة او تلك وهناك الكثير والكثير من المتربصين لإستثمار ذلك في توجيه سهامهم الى الإعلام الوطني المقاوم. 
  
ثمة نقاط اخرى فرعية اخرى وملاحظات شخصية مسجلة على هذا الموضوع أفضل عدم التطرق لها في هذا المنشور . 

والله والحق والوطن وراء القصد

0 التعليقات: