أخر الأخبار

.

نقاط على الحروف في مسيرة حزب


نقاط على الحروف في مسيرة حزب


عراق العروبة
د. قيس النوري



بعث لي صديق أثير رسالة تضمنت قصة ذات مغزى تجسد بدقة منزلقات الوهم، فحواها أن صحفياً جاء بقرد وأعطاه لوحة فارغة وجعله يشخبطها كيفما شاء، وبعد أن أنهى القرد الفنان لوحته عرضها الصحافي على بعض النقاد والكتاب والشعراء، بدعوى أن صاحبها أمير خليجي، وقد سمّاها (أميركا والعالم) وأنه يعتزم عرضها في لندن، ويحتاج إلى من يكتب عنها مقالات، على أن تنشر في كراسة تعريفية باللوحة، هنا بدأت المسرحية الهزلية، حيث كتب شاعر معروف قائلا إنها، أي اللوحة، (غيوم من الموسيقى والإيقاع اللوني الهادئ في صخبه، والصاخب في هدوئه) وأنه (يقف مبهورا أمام هذه الظهرانية وشفافية الروح، التي تعبر عن بلاغتها الساحرة في التجريد والايحاء) وكتب أخر، وجد أنه (يقف أمام هذه اللوحة مكتوياً بحرائق اللون وأمام تجربة تشكيلية باذخة الرؤية، وتبحث عن أطار تعبيري مختلف، وهي تقدم إلى متلقيها مسكونة بحرية فائقة، وتأخذنا الى تخوم التجريد المطلق)، وقال ثالث: (وجدت في اللوحة رفضاً لونياً أو إدانة ضوئية عبر تجريد فلسفي عميق، يحرص على تكريس قيم مواجهة ومقاومة لهذا التوحش الحضاري المتكئ على القوة والافتراس).


هذه القصة (المقلب) تذكر بموقف الشيوعيين العرب من زرع الغرب للكيان الصهيوني في الأرض العربية في العام 1948، وعبثهم بالخارطة القومية العربية برسم قرود الغرب الاستعماري صورة لكيان هجين لا ينتمي إلى الأرض والإنسان العربي، وظيفته إعاقة التوحد العربي والإبقاء على العرب في حالة التشرذم والتخلف برغم غنى الأرض العربية.

حال إعلان إقامة الدولة وعرض اللوحة المسخ سارع الشيوعيون العرب، بالتناغم مع موقف المركز الشيوعي (موسكو) إلى التهليل والترحيب بهذه (الشخبطة) في خارطة المنطقة، وأعلنت جميع الأحزاب الشيوعية العربية، من دون استثناء، ترحيبها ودعمها للحدث (الديمقراطي) الاستعماري الغربي، لا لشيء إلا لكي تتناغم واعتراف مركزهم (موسكو) بإعلان تأييده لقيام الكيان الصهيوني، بل وصلت الصلافة والتناقض مع الشارع العربي إلى أقصى مدياتها عندما وصفوا إجرام العصابات الصهيونية بحق شعب فلسطين بأنها أعمال تقدمية وطنية ضد الاستعمار!! هكذا كتبوا في بياناتهم، وحتى بعد أن تبين أن هذا الكيان إنما هو مشروع معسكر متقدم للإمبريالية يعادي تطلعات العرب ويشن الحروب العدوانية التوسعية، لم يبادر الشيوعيون إلى مجرد إعادة النظر بموقفهم الخطأ ذاك، بل يعدّون الحزب الشيوعي الإسرائيلي رفيق درب لا يجب التقاطع معه ما دام هو شيوعيا، وأن كان مجرد مستوطن على حساب الحق المشروع لأصحاب الأرض الشرعيين، لقد ذهبوا بعيدا في تقاطعهم إلى مداه، حتى حولوا حزبهم إلى مجرد جالية سوفياتية معزولة عن الشارع العربي وقضاياه الملحة والمصيرية.

الان، وبعد غياب المركز الأم، لم يدخر شيوعيو العراق وقتا للالتحاق بركب نقيض فلسفتهم، الغرب ومنهجه الاستعماري، حيث شاركوا وما زالوا في العملية السياسية التي أوجدها المحتل الأميركي وحلفاؤه، يصطفون جنبا الى جنب مع اللصوص والقتلة يديرهم المحتل كما يرعى غنمه.

أي يسار هذا، وأي وطنية صدعتم الرؤوس بتقدميتكم وديمقراطيتكم الغائبة حتى في مفاصل صفوفكم، بل ذهبتم إلى أبعد من هذا كله بتحالفكم من دون خجل مع الثيوقراطية المذهبية على حساب طروحاتكم بما تدعون من تقدمية.

ربما يتحرج بعضهم عن وضع النقاط على الحروف في مسيرتكم خشية أبواقكم الجاهزة، لكنها الحقيقة المرة الممهورة بمواقف معلنة من الصعب نكرانها أو التستر عليها.

هل يبادر المخلصون الوطنيون منهم بإعلان موقف يتبرأ من الخطأ ويعلن اصطفافه مع جموع الشعب الرافضة للاحتلال وآثاره المدمرة ؟

0 التعليقات: