أخر الأخبار

.

من هزم أميركا في العراق؟


من هزم أميركا في العراق؟


عراق العروبة
أحمد التلاوي

مُعاد للأهمية


من أبرز مشكلات التاريخ عمومًا وعملية تأريخ الأحداث الكبرى في تاريخ الإنسانية بشكل خاص، قضية التوثيق، وموضوعية ذكر الحقائق المتعلقة بهذه الأحداث، خصوصًا في الفترات التي تعاصر أو تلي وقوعها مباشرة؛ حيث لا تزال شخوصها حية، وأطرافها حية وفاعلة؛ بحيث يكون لها -هؤلاء الشخوص وهذه الأطراف- الكثير من التأثير على عملية السرد وكتابة الحقائق.

من أبرز المآسي التي شهدتها أمة العرب والمسلمين في تاريخها المعاصر، وربما عبر تاريخها الطويل، مأساة الاحتلال الأميركي للعراق؛ حيث كانت على مستوى الكلفة البشرية فقط، الأعلى في تاريخ الإنسانية بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث تذهب بعض التقديرات إلى أن الأزمة في العراق في مرحلة ما بعد الاحتلال الأنجلو أميركي في ربيع العام 2003، أدت إلى مقتل نحو مليون عراقي!

وتُعتبر قضية المقاومة، وطبيعة الأدوار السياسية التي لعبتها أنشطتها المسلحة في توجيه دفة الأمور، بعد الاحتلال، من بين أهم القضايا المرتبطة بهذه المرحلة السوداء من تاريخ العراق، والتي ظللها ضباب الحرب ورمادها . 


ولقد بلغت الضبابية المحيطة بقصة المقاومة في العراق، حدًّا كبيرًا؛ لدرجة وجود الكثير من عدم الوضوح حتى فيما يتعلق بتعريف المقاومة، وماهية الأطراف التي لعبت دورًا وطنيًّا من خلال حمل السلاح ضد المحتل الأميركي بعد الغزو؛ حيث لعبت الكثير من العوامل السياسية، دورها في التضليل والتعتيم على الدور الذي لعبته فصائل المقاومة السُّنِّيَّة، بعد التطورات التي شهدها النظام السياسي في العراق في مرحلة ما بعد الغزو.

وبين أيدينا كتاب بعنوان "من هزم أميركا في العراق؟.. الحقيقة بالأرقام"، لاثنين من الباحثين العراقيين، حاولا فيه تقديم ما يُشبه الوثيقة التاريخية المحققة حول المقاومة السُّنِّية في العراق، سواء الفصائل التي تكونت من عراقيين، أو من المقاتلين العرب والقادمين من بلدان إسلامية أخرى؛ لدعم إخوانهم في العراق.

ويتناول الكتاب بالأساس خسائر الاحتلال الأميركي، والأطراف العراقية التي تعاونت معه، بحسب المؤلفين، من مختلف الزوايا، العسكرية والاقتصادية، حيث يشيران في مقدمة الكتاب إلى أنهما حرصا على الاعتماد على مصادر محايدة وموثوقة فيما نقلاه في الكتاب، وذلك لغلق الباب أمام الشكوك التي قد يثيرها البعض إزاء ما ذكراه من معلومات وإحصائيات في هذا الإطار.

غير أنهما أشارا أيضًا إلى اعتمادهما على بعض المصادر الأميركية الرسمية في رصد خسائر الأميركيين في العراق في السنوات ما بين 2003 و2011، مثل الأرقام التي صدرت عن وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" عن أعداد قتلى القوات الأميركية في العراق، ولكنهما أكدا أن هذه الأرقام أقل من الواقع بكثير؛ حيث إن هذه الأرقام تجاوزت الإحصائيات الخاصة بالمرتزقة الذين استأجرهم الجيش الأميركي للحرب في العراق، من غير حملة الجنسية الأميركية، على وعد بحصولهم على الجنسية بعد ذلك .

الكتاب لم يتبع التقسيمة التقليدية للكتب، من فصول وخلافه، وإنما اعتمد على رصد معلوماتي موضوعي، وإدراج كل مجموعة من المعلومات التي جمعها المؤلفان في مجال معين تحت عنوان يشير إلى موضوع هذه المعلومات .

خارطة الفصائل الميدانية

يقدم الكتاب في البداية، خارطة الفصائل الميدانية، ويصنفها إلى أربعة تصنيفات رئيسية، التصنيف الأول: فصائل المجلس السياسي للمقاومة العراقية، ومن بينها الجيش الإسلامي في العراق. والثاني: فصائل جبهة الجهاد والتغيير، ومن بينها كتائب ثورة العشرين.

أما التصنيف الثالث، فهو فصائل الجماعة الإسلامية في العراق، ومن بينها جيش المجاهدين في العراق. بينما كان التصنيف الرابع، هو الفصائل التي لم تنضو تحت تكتلات، ومن بينها جيش المجاهدين وجماعة أنصار الإسلام.

ثم يقدم الكتاب الخسائر البشرية لقوات الاحتلال الأجنبي في العراق، ويقول إنها بلغت 4801 قتيل، من بينهم 4483 أميركيًّا، و179 بريطانيًّا، ويلاحظ من خلال الجداول والأشكال التي أوردها المؤلفان في هذه الجزئية، أن أكبر خسائر وقعت في صفوف قوات الاحتلال، كانت من العام 2004 وحتى العام 2009، وكان العام الأخير، هو الأكبر في مستوى الخسائر البشرية الأميركية، في العراق؛ حيث سقط ما يزيد على تسعمائة قتيل للأميركيين وحدهم في ذلك العام .

القتلى الأميركان

وتشير الإحصائيات الواردة في الكتاب في هذا الصدد، إلى أن عدد القتلى في صفوف الأميركيين في المناطق ذات الأكثرية السُّنِّيَّة، مثل صلاح الدين والأنبار، كانت أكبر منها بمراحل من الأعداد التي سقطت منهم في المناطق الشيعية جنوبي البلاد، باستثناء البصرة في بعض سنوات الاحتلال.

فعلى سبيل المثال، وخلال الفترة من أبريل/نيسان 2003 وحتى أبريل/نيسان 2004، كان إجمالي عدد قتلى الأميركيين في المناطق الشيعية، 29 قتيلاً، مقابل 2472 قتيلاً في المناطق ذات الأكثرية السُّنِّية، وذلك مع استثناء القتلى الذين سقطوا في المناطق المشتركة، مثل بغداد .

ويؤكد المؤلفان بعد عرض عدد من الجداول التي توضح التوزيع الجغرافي السنوي لعدد القتلى الأميركيين في العراق، خلال الفترة التي تناولها الكتاب، 2003-2011، أن المحافظات السُّنِّية كانت هي العامل المؤثر والفعال في عمليات المقاومة، وأن المعدل العام لعمليات المقاومة ضد المحتل في العراق نتاج حقيقي لعمل فصائل المقاومة السُّنِّية، وأن النشاط المسلح الشيعي كان عملاً هامشيًّا بسيطًا مقارنة بحجم النشاط السُّنِّي .

وبخلاف هذه الإحصائيات، يشير الكاتبان إلى أنه بجوار ما تقوله الإحصائيات بصدد ضعف حصاد عمليات المقاومة المسلحة للفصائل الشيعية، مقارنة بالفصائل السُّنِّية (متوسط سنوي ما بين تسعة و39 قتيلاً على يد الفصائل الشيعية، مقارنة بمتوسط سنوي 636 قتيلاً على يد السُّنَّة)؛ فإن الفصائل الشيعية المسلحة التي عملت بالمقاومة، ظهرت متأخرة عن تلك السُّنِّية.

فبحسب المؤلفَيْن، ظهرت أولى الفصائل الشيعية التي استعملت السلاح ضد الاحتلال الأميركي في العراق، وهي كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، في العام 2005، بينما كان نشاط التيار الصدري في العام 2003، سلميًّا، كما يقول الكاتبان، ثم عمل جيش المهدي المحسوب على التيار الصدري، في العام 2004م عسكريًّا، وهو عام الذروة له في نشاطه المسلح ضد الاحتلال، قبل تجميد نشاطه في هذا الجانب بموجب اتفاق بين القيادات الشيعية والأميركيين، بعد معركة النجف في ربيع وصيف ذلك العام.

وفي شأن جيش المهدي، ينتقد الكاتبان قيادات التيار الصدري، التي حولت مجهود جيش المهدي من مقاتلة المحتل الأجنبي إلى شن حرب على أهل السُّنَّة، ثم الدخول في صراعات جانبية مع الحكومة العراقية، بقيادة نوري المالكي، خصوصًا في العام 2008 .

أسلحة المقاومة

ومن بين التصنيفات الموضوعية التي حرص المؤلفان على عرضها في كتابهما، نوعية الأسلحة التي استخدمتها المقاومة العراقية في تصديها للاحتلال؛ حيث كانت العبوات الناسفة أشد الأسلحة فتكًا، وهي التي أوقعت أكبر عدد من قتلى الاحتلال، تليها الأسلحة الخفيفة .

ويشيران أيضًا إلى أن المقاومة العراقية لم تنجح في استهداف عناصر الاحتلال الراجلة فحسب؛ وإنما استطاعت تدمير عدد كبير من مدرعاته ودباباته، وكذلك طائرات الهليكوبتر العسكرية، والتي كان المعدل السنوي لقتلى الاحتلال فيها ما بين ثلاثين وخمسن قتيلاً سنويًّا في الفترة ما بين عامي 2003 و2008.

كما تشير الإحصائيات الواردة في الكتاب إلى أن المقاومة العراقية، استهدفت أيضًا فئات أخرى غير قوات الاحتلال من المحسوبين على الاحتلال الأميركي في العراق، مثل المتعاقدين، وهؤلاء مدنيون، وغالبيتهم من الأميركيين، وكانوا يعملون في مجالات غير عسكرية، مثل المقاولات وأعمال الحماية والأمن، وقُتل منهم 468 شخصًا خلال سنوات الحرب في العراق، من بينهم 166 في المناطق السُّنِّية وخمسون في المناطق الشيعية، بالإضافة إلى 199 في المناطق المشتركة، بما فيها العاصمة بغداد والمنطقة الخضراء الأمنية الحصينة .

وفي الختام؛ فإن الكتاب عبارة عن وثيقة مهمة، توضح الكثير من جوانب الصورة المخفية حول سنوات الحرب والاحتلال الأخيرة في العراق، والتي طمست السياسة الكثير من معالمها ! 

0 التعليقات: