أخر الأخبار

.

أصداف : منعطف في العراق


أصداف : منعطف في العراق


عراق العروبة
وليد الزبيدي




بدأ ماراثون العملية السياسية في العراق في العام 2003 بتسويق غير مسبوق لما يُسمى بـ”الديمقراطية”، هرول الكثيرون وتسابقت الجموع للإمساك بأطراف تلك “الغيمة من السراب” وذلك اللون الكالح، وتلك الأجواء الخانقة المدمرة القاتلة، ورغم الصدمات العنيفة التي بدأت منذ أيام “الديمقراطية” الأولى، إلا أن استهلاك ذلك النوع من الغش والكذب قد بلغ درجات كبيرة، وللأسف الشديد تواصل لفترة ليست بالقصيرة وإن سجل تراجعا في أعداد المنضوين تحت لوائه بعد سنة أو أكثر، لكن بريقه الزائف انطلى على الكثيرين، الذين أخذوا يقنعون أنفسهم بمستقبل آخر لكن تبين أنه أكثر زيفا وقتامة.


واليوم ينعطف المشهد في العراق بعد كل تلك السنين والأيام والساعات الصعبة العجاف ليظهر مشهد مختلف تماما، وبدون شك أن أكثر من دفع الثمن غاليا هم الجيل الجديد، فقد حرموا من كل شيء، وعاشوا الفقر المدقع والفوضى الأمنية وعمليات الرعب التي تخلقها عمليات الخطف اليومية في ظل الحكومات التي تعاقبت على السلطة، ولو وضعنا جردا بالأخطار والسلبيات والمصائب والكوارث التي خلقها الحكام والسياسيون طيلة هذه السنوات لسطرنا صفحات وصفحات، وبالدخول في التفاصيل الدقيقة والمتشعبة لما انتهى الحديث عن المصائب والكوارث.


في الانتخابات العديدة التي جرت في العراق منذ العام 2003، كان حشود البشر تتسابق للمشاركة في “سراب” برّاق، ولم يتردد الكثيرون رغم الأوضاع السيئة في التفاخر بغمس أصابعهم في الحبر الخاص بـ”الديمقراطية الزائفة والمخادعة”، ولم يتصور هؤلاء أن لون الحبر الذي ارتقى فيه السياسيون سدّة الحكم ليسرقوا وينهبوا ويرتكبوا الجرائم بحق العراقيين سيتحول في مرحلة لاحقة إلى دماء تخضب أجساد الشباب، وقنابل تتفجر في وجوههم وتحرق أجسادهم، ورغم إصرار السلطات على قتل الشباب المتظاهرين إلا أن ذلك لم يزد هؤلاء إلا قوة وإصرارا على مواصلة الطريق ومواجهة الرصاص والقنابل الحارقة بصدور عارية.


إن مشهد المظاهرات الاحتجاجية العارمة في العراق التي انطلقت منذ الأول من تشرين أول ـ أكتوبر الحالي يبعث العديد من الرسائل ويؤكد قراءات عدة، خلاصة تلك الرسائل أن لا مكان للسراب والأكاذيب والخداع الذي تواصل كل هذه السنين المرعبة، وأن كل الحقائق أضحت واضحة للجميع، ومن بين أهم القراءات التي ينطوي عليها مشهد المظاهرات الاحتجاجية الواسعة، أن الشباب الذين كانوا في العام 2003 بأعمار تتراوح بين الخامسة والعاشرة، واستهلكوا الضخ الإعلامي الواسع قد وصلوا إلى قناعات راسخة بأن كل ما تم الترويج له ليس بأكثر من كذب وخداع وتضليل، وأن جيل المظاهرات الشبابي قد لفظ كل ذلك بعيدا، واستيقظ ثائرا ضد هذه المنظومة السياسية والحزبية التي ثبت أنها جاءت لخدمة أنفسهم وخدمة دول أخرى، وأن لا حضور ولا حصة لا للعراق ولا للعراقيين.

0 التعليقات: