أخر الأخبار

.

متغيرات ساخنة ومخاض عسير



متغيرات ساخنة ومخاض عسير


عراق العروبة
الدكتور مهند العزاوي *







يشهد العالم العربي متغيرات دراماتيكية ساخنة , وتمر المنطقة بمخاض عسير يصعب التكهن بنتائجه في ظل فوضى التنافس الدولي , ويبرز بشكل واضح عامل التغول الايراني المذهبي الساعي لتهديم الدول العربية , حيث يخضع الجوار العربي مع إيران لحزمة من التداعيات المركبة , تتخللها النزاعات المسلحة وظواهر الفوضى الشاملة , والتغول المليشياوي بقيادة فيلق القدس - الحرس الايراني العقل المدبر لتصدير الثورة الايرانية الى الجوار العربي.

تعصف بالمنطقة العربية خطورة حمى التسلح الإيراني وأثاره على مسارح العمليات البرية والبحرية , وكذلك ترهل القوة اللامتماثلة من المليشيات التي تخطت 17 مليشيا طائفية اضحت تمتهن القتل الطائفي لصالح ايران , وتنتشر عبر خارطة تأثير واضطراب في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين , وبخلايا نائمة في غالبية الدول العربية , وخصوصا الخليج العربي الذي يخضع لحرب التفريس الاعلامي , وحرب المشاطئة والقضم الجيوبولتيكي , والهدم المجتمعي المنظم عبر الضخ الايديولوجي العابر للوطنية , والمتمثل بظاهرة توظيف التشيع السياسي للوصول الى السلطة وعسكره الطوائف والمكونات من جهة , والتخندق الطوعي للمكونات الاخرى كرد فعل التي تخشى من الزحف الارهابي القادم من الشرق , وفق " فلسفة الصدمة والترويع الايرانية " والمتسقة بالسلوكيات الوحشية والعنف المضطرب المفرط الذي ينتهك المعايير القانونية الاممية والشريعة الاسلامية برمتها .

الدجاجة التي تبيض ذهبا

يعد من ابرز العوامل الثابتة في تحليل الانفلات الايراني هو تعدد منافذ الاختراق الجيوعسكري المضاد من قبل التنظيمات المسلحة المرتبطة بإيران , والتي تسعى لخلق مفاصل امنية لينة تمارس من خلالها التاثير الارهابي لبسط النفوذ الإقليمي , وبذلك يذكي تنافس الدول المتمركزة لبسط نفوذها السياسي والعسكري , وخلق حالة الفوضى المسلحة , ونشهد الانتهازية الايرانية ولعبها على الحبال الدولية مع الولايات المتحدة وروسيا والصين اوربا وهم يقدمون لها الحوافز الوحدة تلو الاخرى للحفاظ على ديمومة هذا الكيان الدموي , الساعي لهدم المقدرة العربية وديموغرافيتها , وأصبحت ايران الفقيه وحرسها العابر للقوانين الدولية الدجاجة التي تبيض ذهبا لإسرائيل وحلفائها لتقاطع المصالح في تدمير القدرات العربية وباستخدام الذراع المذهبي المسلح , والممول من قوت الشعب الايراني الجائع البائس لتصدير ثورة الملالي الدموية للجوار العربي .

سلاح على اجنحة الدم

يبرز العامل الثابت الاخر في مناقشة الفوضى الدولية والتغول الايراني في الجوار العربي هو سياسة الوصول الروسية للمنطقة , و نشهد ملامح أعادة وصول روسيا إلى المنطقة عبر إيران , والتي تعد بمثابة مخلب القط الروسي بالمنطقة , ويلاحظ المتغير العسكري في العقيدة التسليحية لدول عديدة والتحول للتسلح الشرقي , مما يخلق مناخ الاضطراب السياسي والأمني , وإذكاء الحروب والنزاعات كمسالك دموية لفتح سوق السلاح من اوسع ابوابه , وعبر المافيا الروسية او القنوات الرسمية وسماسرة السياسة والسلاح , وقد أسفرت هذه السياسة عن عوائد مالية تجلت في بلوغ صادرات روسيا من الأسلحة في العام 2012 نحو 15 مليار دولار ، أي أنها ارتفعت عشر مرات عن مستواها الأدنى في العام 1994 , وتضاعفت صادرات روسيا من الاسلحة والذخائر والتقنيات العسكرية خلال السنوات العشر الأخيرة بثلاث مرات , كما ارتفع بالنسبة نفسها تقريبا حجم الطلبيات والحجوزات الخارجية لشراء الأسلحة الروسية ، والتي تقدر قيمتها حاليا بـ 46 مليار دولار , بالإضافة إلى ذلك توسعت خلال هذه الفترة جغرافية المبيعات العسكرية الروسية ، حيث انضمت دول جديدة إلى قائمة زبائن السلاح الروسي ، وعادت دول أخرى لشراء الأسلحة الروسية بعد انقطاع طويل ، منها غانا وسلطنة عمان وتنزانيا وأفغانستان[1], وتشهده المنطقة عودة التنافس للدول المتمركزة على الرقع العربية الهامة بعد خطيئة الغزو الأمريكي للعراق وانفلات القوى الإقليمية وسعيها المحموم لملئ الفراغ فيه , ليشكل الاجنحة الدموية الرافعة لتصدير السلاح الروسي .

الاخطر من النووي الايراني

يعد العامل الثابت الاكثر خطورة في مناقشة التغول الايراني هو ظاهرة تناسل وانشطار المليشيات المذهبية , لأن خطورة حمى التسلح الإيراني لتكمن بالوصول للهدف الاستراتيجي لها ولعب دور الشرطي الشرير والبلطجة السياسية فحسب , بل الاكثر خطورة من امتلاكها السلاح النووي هو تعشيق القوة بالأيديولوجيات المذهبية , وفق فلسفة تصدير الأمة المذهبية الطائفية , لتعزز من الراديكالية الطائفية التي تخطت المحظورات الاستراتيجية والأمن والسلم الدوليين والأمن القومي العربي , وعلى اثر ذلك شهدنا شياع ظواهر تسليح المليشيات الطائفية المرتبطة بالحرس الايراني[2] , لتستخدمها إيران كسلاح عابر للنووي لفرض الاضطراب السياسي والأمني , ويعد سلاح تدمير شامل اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار المضاعفات التي خلفتها سياسة القتل المذهبي وتمزيقها للمجتمعات العربية والإسلامية , وتشهد عدد من الدول العربية مظاهر الفوضى وفقا للمتغيرات السياسية , وعدم استقرار أنظمة الحكم , مما يصعد من أعراض القضم الجيوبولتيك العربي مع ظواهر التفكيك المنظم للديموغرافيا العربية , والاستنزاف المنهجي للقدرات العسكرية , لتتحول بعض الدول العربية المستقلة إلى دول تابعة تنتهج السياسة الإيرانية , وبالمقابل لم نلمس تعويض ربحي في تعزيز قدرات الردع العربي أو تحقيق انجاز على صعيد الأمن القومي العربي مما يغيب التوازن العربي الاقليمي .

احتلال بغداد طائفيا

يعد ابرز عامل ثابت يمكن ان يحقق التغيير هو الحراك الشعبي العراقي وقد تخطى 60 يوما , ويعد منعطف استراتيجيا هاما خصوصا بعد احتلال بغداد طائفيا من قبل السلطة ومليشيات ايران المرتبطة بالحرس الايراني ومنع المواطنين دخول عاصمتهم بغداد , حيث جرى تقطيع صلب للمناطق ذات الاغلبية السنية , ورافقها استعراض لمليشيا حزب الله اللبناني في شوارع بغداد , وبحضور القيادي في مليشيا حزب الله سمير القنطار والذي افصح عن المنهجية السياسية كمحور اقليمي طائفي مع ايران , ووصف المتظاهرين العراقيين بالمؤامرة , وقد شرعت تلك المليشيات بسلسلة من الاغتيالات للناشطين في مناطق بغداد تنفيذا لتهديد رئيس مليشيا المختار المرتبطة بفيلق القدس الايراني , والتي شكلت حديثا كغطاء لعمل الحرس والبسيج الايراني , وقد أعلنت منهجا متشدد لقتل المتظاهرين علنا وعبر وسائل الاعلام , وبات من الواضح ان مشروع تقسيم العراق " بايدن - غلوب " يسوق له بعد ان نفذت مخرجاته ايران والحكومة العراقية , وذلك بخلق مناخ التقسيم باستخدام التمييز الطائفي والقمع والتنكيل والهدم المجتمعي , واسهم بذلك صمت المجتمع الدولي على انتهاكات حقوق الانسان وبموافقة رسمية من الامم المتحدة الذي تخندق ممثلها مع الحكومة انطلاقا من المشروع ذاته , وكما ذكرت دراسة " مركز سابان معهد بروكينز " وكان عنوانها ((التقسيم السهل للعراق الخطة ب )) عام 2010 بان الامم المتحدة او الجامعة العربية ستقوم بمهمة تقسيم العراق , وبالتأكيد ان مسؤول ملف العراق نائب الرئيس الاميركي بايدن هو صاحب مشروع التقسيم وقد اغفل جرائم السلطة الطائفية لخلق بيئة التقسيم .

شكل الحراك السياسي الشعبي العراق المليوني نهاية العام الحالي في مدن العراق , متغيرا ساخنا في خارطة التاثير السياسي , ومدخلا لمرحلة جيدة لتزال نتائجها غير محسومة , ومخاضها صعب للغاية في ظل التغول الايراني والصمت الدولي والعربي والإسلامي , ويتطلب من المتظاهرين مقدرة عالية من الاعتماد على النفس والحكمة والتنظيم وحسن التصرف والسلوك , والمناورة بالقدرات لنيل الشرعية الشعبية المسلوبة منذ غزو العراق وحتى اليوم , وبالرغم من سخونة وخطورة الواقع السياسي العربي الاقليمي , ليزال التحسب العربي واستعادة المبادأة غائباً ,ولعل التغيير العراقي القادم سيكون منطلقا لمرحلة جديدة ترسم شكل القوة والتأثير بالمنطقة بعد عقود الهدم الايراني في العراق وللجوار العربي والله المستعان .

* كاتب ومفكر عراقي .


0 التعليقات: