انتهاكات حقوق الإنسان في العراق
انتهاكات حقوق الإنسان في العراق
عراق العروبة
د . نصيّف الجبوري
في احدى المقابلات التلفزيونية قال رئيس الوزراء العراقي بأنه سعيد جدا عندما يرى العراقيين يسافرون الى الخارج عن طريق المطارات وغير ذلك. تحدث فقط عن امر يسير من الربع الملآن من الكأس، لكنه أهمل اكثر من ثلاثة ارباع الكأس الخالي. فلا نعلم لماذا اغفل ولم ير حالة الطرقات والشوارع الرئيسية لمداخل العاصمة، ولم يلاحظ سواق الاجرة وغيرهم من المواطنين العاديين عندما ينتظرون ما يقارب الساعة ونصف الساعة لعبور نقطة تفتيش واحدة. ولا ندرى ما هو شعوره عندما يرى الطلبة والموظفين والكسبة يسيرون على الاقدام لمسافات طويلة الى اماكن عملهم بسبب الازدحامات. وما هو شعوره ايضا عندما تقصف المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي اللذان لم تتمكن الحكومة من تأمينهما، رغم مضي حوالي احدى عشرة سنة على تغيير النظام .
ان قادة ثورة 14 تموز الذين غيروا النظام الملكي الى جمهوري لم يحتاجوا سوى بضعة ايام لاعادة النظام الى سابق عهده. وكذلك الامر عندما جاء البعثيون في عام 1963 وجاء من بعدهم عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف، وجاء البعثيون مرة اخرى عام 1968. كل أولئك الحكام ايضا سيطروا وأعادوا النظام الى عموم البلاد بعد ايام او اسابيع قليلة، في حين تتزايد معاناة الشعب العراقي يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وسنة بعد سنة حتى وصلت الى درجات خطيرة، رغم مرور اكثر من عقد من الزمان.
كان ينبغي تلاشي تلك المعاناة والقضاء عليها بمرور الايام، والدخول في عصر التنمية والبناء والتقدم، وليس تفاقمها بصورة خطيرة. نحن نقترب اليوم الى التمزق والتشتت اكثر من اي وقت مضى. يكفي ان ننقل للقارئ الكريم تقرير منظمة دولية مركزها ليس في الانبار، انما في نيويورك، وان هذا التقرير لم يحرره أهل الانبار او ديالى او صلاح الدين او الموصل، انما منظمة مستقلة مركزها في دولة لا تزال حليفة للحكومة العراقية. فالجميع يعرف ان السلطات الامريكية هي التي زودت قبل ايام الجيش العراقي بالاسلحة الفتاكة والطائرات الحربية المتطورة، وهي تعلم علم اليقين بأنها ستستخدم في حروب داخلية ولن تستخدم للدفاع عن حدود وسلامة الوطن من الاعداء الاجانب .
لقد جاء تقرير منظمة ‘هيومن رايتس ووتش’ مؤكدا مطالب اهل الانبار والمحافظات الاخرى المنتفضة منذ اكثر من عام، التي تقول بأن آلاف النساء عذبن واغتصبن من قبل القوات العراقية. يستند التقرير الى شهادات معتقلات واقاربهن ومحامين ومسعفين ووثائق المحكمة ولقاءات مع مسؤولين، مما يضفي نوعا من المصداقية على احدى الشكاوى الرئيسية التي يوجهها اهالي المنطقة الغربية، الذين عبروا عن احباطهم بسبب الحكومة المركزية التي يعتبرونها طائفية. وهم بطبيعة الحال يتهمون الحكومة ايضا باستهدافهم بشكل غير عادل وتهميشهم، مما دفعهم الى تنظيم احتجاجات واعتصامات في مدن كثيرة .
بحسب تقرير المنظمة، فان ‘السجينات العراقيات ومعظمهن من مكون واحد افدن بانهن تعرضن للضرب والركل والصفع والصعق بالصدمات الكهربائية والاغتصاب. في حين تم تهديد اخريات بالاعتداء الجنسي وأحيانا على مرأى من الأقارب الذكور’. قابلت المنظمة 27 امرأة كانت احداهن تمشي على عكازتين، ونقلت المنظمة ان المرأة أفادت بأنها عانت تسعة أيام من الضرب والصعق بالصدمات الكهربائية واعتداءات اخرى تسببت باعاقتها. وافادت المنظمة ومقرها نيويورك بان المرأة أعدمت في وقت لاحق، على الرغم من التقارير الطبية التي تؤيد ادعاءات تعرضها للتعذيب. وقالت المنظمة ان هؤلاء النساء اعتقلن إما من أجل التحقيق معهن بخصوص اقارب مشبوهين من الذكور او بدعوى دعمهن للمسلحين وليس بسبب جرائم يشتبه بانهن اقدمن على ارتكابها .
وقال جو ستورك مدير الشرق الاوسط وشمال افريقيا للمنظمة ان ‘قوات الامن العراقية والمسؤولين يتصرفون كما لو انهم كلما تصرفوا بوحشية سيجعلون البلد اكثر امانا’. واضاف ‘في الواقع هؤلاء النساء وأقاربهن قالوا لنا أنه طالما ان قوات الامن تسيء معاملة الناس ولا يستطيع ان يعاقبها احد لا يمكننا أن نتوقع سوى المزيد من تدهور الأوضاع الأمنية’. واعتبرت المنظمة ان القضاء العراقي لا يفعل ما يكفي للتحقيق في مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة. مشيرة إلى أنه في كل الحالات الموثقة لديها تقدمت بعض النساء بشكاوى للقضاة، ولكن لم يفتح بها تحقيق .
واجهت القوات العراقية في الاشهر الاخيرة موجة متزايدة من الانتقادات لاساليبها التي لم تفلح في وقف الهجمات شبه اليومية، في الوقت الذي قتل نحو 1000 شخص الشهر الماضي مع تصاعد اعمال العنف التي بلغت اعلى مستوى لها منذ 2008. وتنشط منظمة ‘هيومن رايتس ووتش’ ومحللون ودبلوماسيون ومشرعون بشكل متزايد في الكشف عن شهادات عن سوء المعاملة وتشمل الاعتقالات العشوائية وابقاء المعتقلين محتجزين لفترة طويلة من دون محاكمة وإغلاق بعض الأحياء والإساءة إلى المحتجزين .
ان معظم اهل السنة لا يدعمون نشاطات الجماعات المسلحة’ مثل دولة الاسلام في العراق والشام (داعش) وهي مجموعة جهادية تنشط في العراق وسوريا، ‘لكن غضبهم تجاه السلطات يجعلهم اقل استعدادا للتعاون معها في تقديم معلومات استخبارية أو تسليم مسلحين مشتبه بهم’. وقال ستروك ان ‘هذه الانتهاكات تسببت بتنامي الغضب وانعدام الثقة بين المجتمعات المختلفة في العراق وقوات الأمن، وجميع العراقيين. الى هنا انتهت خلاصة التقرير. انه لمن المؤسف حقا ان تستمر سياسة التسويف والاهمال لمطالب المتظاهرين، في حين يستمر التحشيد الطائفي ومحاولة شيطنة الاخر واتهامه بالبعث والوهابية والقاعدة وداعش والارهاب. فوق كل هذا الظلم ما هو ذنب النساء؟ فقد أكد التقرير ان اعتقال النساء ليس بسبب الاشتباه بأنهن قمن باعمال ارهابية انما لانهن بنات او زوجات او اخوات او امهات او اقارب رجال متهمين بالعمل المسلح او قيادة الاعتصامات. نقول للحكومة ما الذي ستقولونه لله تعالى عندما ستحاججكم الاية القرآنية الكريمة ‘ولا تزر وازرة وزر اخرى’، او الحديث القدسي الذي يقول ‘ان الله حرم الظلم على نفسه وحرمه بين عباده’.
من المؤكد ان الحكومة اتخذت من معتنقي مذهب اهل البيت الكرام في العراق ركيزة لتعميق التوتر الطائفي وبالتالي تفتيت الوطن من جهة، وحاولت وتحاول من جهة اخرى ان تأخذهم رهائن للموافقة على خططها لتضعهم امام الامر الواقع وتبالغ في خطر وجود داعش والقاعدة في الرمادي على مصير معتنقي مذهب اهل البيت. لكن اصواتا منصفة من المرجعية ومن خارجها بدأت تحذر وتدق ناقوس الخطر وجرس الانذار وتنتقد الحكومة بقوة امام وسائل الاعلام، كالسيدين مقتدى الصدر ومحمد تقي المدرسي وغيرهما من السياسين المشاركين في العملية السياسية وغير المشاركين فيها. لان سفك دماء من يقول لا اله الا الله محمد رسول الله من دون حق، خط احمر وتجاوزه من اكبر الكبائر ولا يمكن السكوت عنه .
اخيرا يتساءل أولو الالباب والمخلصون والوطنيون، هل من الممكن ان يتصور احد ان يصل الامر ببعض السياسين الى التضحية بوحدة الوطن وتلاحم ابنائه لاجل ولاية لا تستمر سوى اربع سنوات. وكيف يمكن ان يستسيغوا ثمن البقاء بالسلطة على حساب تمزيق المجتمع العراقي؟ وهل من المعقول ان يفضل قادة بعض الاحزاب الاسلامية الظلم في ممارساته السياسية على الجنة ومرضاة الله؟ لكن يظهر أن كل شيء في هذا الزمن الرديء محتمل فلقد وصلنا الى وقت حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل قال في جزء منه لصحابته الكرام ‘كيف بكم عندما ترون المعروف منكرا والمنكر معروفا؟ قالوا أو كائن ذلك يارسول الله؟ قال نعم واسوأ منه’.. فها نحن فيه ونرجو من الله تعالى ان يجنبنا الاسوأ .
0 التعليقات: