القمة العربية على شاطئ البحر الميت
القمة العربية على شاطئ البحر الميت – مآذن القدس وأضواء المستوطنات
عراق العروبة
د . عبدالحميد صيام *
انعقدت القمة العربية الثامنة والعشرون في فندق كمبنسكي - عشتارعلى الضفة الشرقية للبحر الميت بالأردن ، في أخفض نقطة عن سطح البحر في العالم .
وقد حضر القمة 17 من ملوك ورؤساء ورؤساء حكومات الدول العربية، وهو عدد لافت للنظر قياسا للقمم السابقة، وكأن للمكان سحره الخاص فعلى ضفتيه صنع التاريخ المتنازع عليه، وما زال يشهد نزاعا بين الحق والباطل والمظلوم والظالم والتاريخ المزور والتاريخ الحقيقي .
ويستطيع من يقف مساء على ضفة البحر الذي يكاد يموت فعلا لا مجازا، يستطيع أن يتبين أضواء مدينة القدس الخافتة، ويسمع مآذن مساجدها الأسيرة، وفي الوقت نفسه يشاهد أنوار المستوطنات الإسرائيلية الساطعة على الضفة الأخرى على مسافة لا تتجاوز ثلاثة كيلومترات عن صالة اجتماعات القمة، وكأن هناك رسالة مبطنة تقول جئنا لنعقد قمتنا في مكان مجاور لكم لإرسال رسالة مودة وسلام .. وأود أن أسهم هنا بمجموعة ملاحظات حول القمة وبنود بيانها الختامي :
- كنا نتمنى لو لم يدع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، للتعبير عن غضب الأمة العربية على سحب تقرير الإسكوا، بناء على ضغوط أمريكية وقيامه بتقديم بيان شفوي على لسان منسقه لعملية السلام، نيكولاي ملادينوف، داخل مجلس الأمن حول تنفيذ القرار 2334 بدلا من تقديم تقرير مكتوب وكامل، كما طالب البند رقم 12 من القرار .
لماذا لا يحسن العرب الغضب على الخصوم، ولكنهم يعملون السيف في بني جلدتهم ؟ قليل من الغضب المنضبط قد يجلب قليلا من الاحترام أيها السادة .
- يفيض البيان الختامي بالبنود التي تعلن التضامن بكافة أشكاله مع الشعب الفلسطيني، وإدانة الممارسات الإسرائيلية ونظام «الفصل العنصري» الذي تجسده إسرائيل حاليا، لكن هؤلاء المجتمعين يرفضون أن يدخلوا «كمشة» من الفلسطينيين المشردين من مناطق الصراعات المسلحة فتنتهي بهم المنافي إلى آيسلندا والبرازيل وتشيلي . فمن يتعاطف مع القضية الفلسطينية نظريا عليه أن يترجم ذلك عمليا .
- أعلن بيان القمة التمسك بمبادرة السلام العربية التي اعتمدت في قمة بيروت عام 2002، والتي تلقت ردا عليها في حينه من رئيس وزراء الكيان الصهيوني أرييل شارون الذي قال إنها لا تتعدى كونها حبرا على ورق . وبعد التغييرات الشاملة التي ثبتتها إسرائيل على الأرض ، هل بقي من المبادرة ما يمكن التمسك به ؟ لقد قايضت المبادرة التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل، فلماذا استمر التطبيع دون أن يقابله حتى التفكير بالانسحاب ؟
- كان في مسودة البيان الختامي بند يشير إلى عدم الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية . وهو موقف مبدئي وجيد فعلا إذا تبعه نوع من المصداقية .
ففي الوقت الذي سبق القمة بأيام، وربما خلال انعقادها هناك دول ترسل وفودا إعلامية لزيارة إسرائيل، ودول أخرى تجري مناورات عسكرية مع إسرائيل، ودول ثالثة تتبنى الموقف الإسرائيلي في مجلس الأمن وتدعم ترشيح إسرائيل للجنة الفضاء الخارجي واللجنة القانونية، وتتبادل معها العلاقات سرا وعلنا، ودول تفتح لها ممثليات وتستقبل الوفود وترقص معهم، وأخرى تعرض الأفلام الإسرائيلية بحضور مخرجيها، وسلطة تتمسك بالتنسيق الأمني مع إسرائيل وتقمع شعبها في حالة إطلاق احتجاجات سلمية .
ألا تثير هذه الممارسات تخوفات من الانزلاق إلى اعتراف بإسرائيل بشروطها هي ؟
– من بين حضور القمة الرئيس السوداني عمر البشير. وهو كما يعرف القاصي والداني مدان بجرائم حرب في دارفور ومطلوب للمحكمة الجنائية الدولية. حضوره في رأينا مبرر ولا ضير في ذلك، ولماذا لا يوجد عربي ينتهك القانون الدولي المفصل على مقاس الدول الغربية ؟ هذا لا يعني أننا نتغاضى عن جرائمه في دارفور وغيرها ونتمنى أن يدفع كل مجرم حرب الثمن ؟ فالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، والجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق، تمر دون مساءلة، بل لا يجرؤ أحد أن يثيرها في مجلس الأمن .
وعندما حاول مجلس الأمن بحث جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في سوريا من كافة أطراف الصراع، استطاع الفيتو الروسي أن يشكل غطاء لحماية المجرمين، وانتفع من هذا الفيتو ليس النظام فحسب، بل ومجرمو الجماعات الإرهابية .
لقد أثارت الدول الأفريقية مسألة إنشاء المحكمة المخصصة للقارة الإفريقية، الأمر الذي دفع بعدد من الدول للانسحاب من المحكمة . إذن من حق البشير أن يسخر من محكمة دولية غير منصفة ولا ترى إلا بعين واحدة مسلطة على القارة الإفريقية .
- كما دعت القمة إلى متابعة تنفيذ قرار مجلس الأمن 2334. وقد اجتمعت المجموعة العربية في الأمم المتحدة، حيث يمثل أعضاؤها هذه الدول وشكلوا وفدا ثلاثيا من سفراء العراق وعُمان وفلسطين، وقابلوا الأمين العام وتمنوا عليه أن يصدر تقريرا مكتوبا بمدى التزام إسرائيل بالقرار المذكور، إلا أن السيد غوتيريش انصاع مرة أخرى للضغوط الأمريكية، ولم ينفذ هذا المطلب القانوني فلمن توجه التوصية إذن؟
– كما أكدت القمة على أن القضية الفلسطينية ما زالت هي القضية المركزية لكل العالم العربي، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين. أوافق على أن معظم الشعوب العربية ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأهم، لكن الحقيقة أنها لم تعد القضية المركزية بالنسبة لمعظم الأنظمة العربية، إن لم يكن كلها.
فأولويات كثير من الأنظمة لم تعد فلسطين وتم استبدالها بمجموعة أولويات دفعت بالبعض لأن يعيد حساباته في موضوع التحالفات، ويمد يده لعدو الأمة التاريخي بسبب تلك التغييرات .
ومن أراد أن يتأكد مما نقول فليراجع مقالاتنا حول خطابات الوفود العربية أمام الجمعية العامة ليعرف أن الذين يتحدثون بحرارة أكثر عن فلسطين هم ممثلو الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا وتشيلي وبوليفيا وماليزيا وتركيا والسنغال وجنوب أفريقيا، وحفنة من دول أخرى بينما خلت كلمات بعض الوفود العربية من أي ذكر لفلسطين، لا من قريب ولا من بعيد . فكيف تريدوننا أن نصدق أن فلسطين قضية مركزية للنظام العربي ؟
- طالبت القمة العربية في بيانها الختامي كذلك بعدم انتخاب إسرائيل لعضوية مجلس الأمن عامي 2019-2020. قولوا لي من فضلكم من الذي يستطيع أن يمنع إسرائيل من دخول مجلس الأمن إذا لم يكن هناك موقف عربي واحد موحد صلب، يتضمن تهديدا باستخدام الاقتصاد والتجارة والنفط والمساعدات لمنظمات الأمم المتحدة ؟ لقد تمكنت دولة عربية واحدة من استخدام نظام التهديد بقطع المساعدات عن العديد من المنظمات الإنسانية، إذا لم يحذف إسمها من «قائمة العار» المتعلقة بالدول والكيانات المنتهكة لحقوق الأطفال في الصراعات المسلحة، فما رأيكم لو تضافرت كل الجهود العربية لرفض انضمام الدولة المارقة المنتهكة لكل القوانين الدولية للمجلس الذي يفترض أنه يمثل القانون الدولي .
- كنا نتمنى لو أن القمة أخذت موقفا موحدا من تاريخين أساسيين لهذا العام : الذكرى المئوية لإصدار وعد بلفور، الذي أطلق شهادة ميلاد مزورة لإنشاء «وطن قومي لليهود في فلسطين»، والذكرى الخمسين لحرب 1967 التي أدت إلى توسع إسرائيل على حساب العرب وأراضيهم . من جهة يطالبون بريطانيا بالاعتذار عن الوعد، ومن جهة أخرى يقسمون على إنهاء الاحتلال .
وأنا واثق أن العرب كأمة قادرون على إنهاء الاحتلال فعلا بمجموعة خطوات جادة يلتزم بها الجميع دون استثناء – لكن الخوف كل الخوف أن تهديدات السفيرة الأمريكية نيكي هيلي باستخدام الكعب العالي في حذائها لركل منتقدي إسرائيل قد وصلت إلى مسامعهم .
بقي أن نؤكد لكم يا أصحاب الجلالة والسعادة والسيادة أن الشارع العربي لم يعد معنيا بمؤتمرات القمة ولا يعيرها أي أهمية، ولا يتذكر ارقامها ولا يتابع بياناتها الختامية. لقد عزفت الشعوب العربية منذ زمن بعيد عن متابعة اللقاءات والمؤتمرات والقمم والاجتماعات الطارئة لأنها تحكم على الأمور بما تراه على الأرض لا ما تسمعه من خطابات .
* محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغز بنويجرسي
0 التعليقات: