ايها الوطن: اطالبك بـ”حميد سعيد”
ايها الوطن : اطالبك بـ ”حميد سعيد”
عراق العروبة
جواد الحطاب
• شبّ جيلنا السبعيني على علامات فارقة في الثقافة العراقية، من الجيل الستّيني او الجيل الذي سبقه، وكان من الطبيعي ان يترك هؤلاء بصماتهم على بداياتنا وعلى تشكيلنا الأدبي، وأشهد ان بعضهم كان سندا كبيرا لنا سواء في النشر او الدفع باتجاه طبع مجاميعنا الأولى، مثلما كان “دريئة” للكثير من حماقاتنا ومشاكساتنا مع الجهات الرقابية او الأمنية، وكان لهذا البعض من الجاه والحضور ما يجعله شفيعا مقبولا لدى الدولة، والأمثلة أكثر من ان تحصى .
.
• مثلما أشهد ان هذا البعض من “النبلاء” لم يكن يفرّق بيننا، نحن الأدباء الشباب في ذلك الوقت، ولا يسأل ما “طائفة” هذا الأديب او ذاك، وفي أي مدينة كان مسقط رأسه، وما توجّهه الحزبي، او ما طبيعة تفكيره او قناعاته التي كوّنتها القراءات والثقافة .
• وفي مقدمة هؤلاء النبلاء الذين أشرت إليهم، يقف الشاعر العراقي الكبير، الكبير بعراقيته وانسانيته وابداعه ومواقفه “حميد سعيد” الصديق والأستاذ وصاحب المواقف التي لا تنسى ومع الجميع، بدءا من كزار حنتوش “الشيوعي” الى حسن النواب “العبثي” الى جان دمو “الصعلوك الشتّام الدائم للحزب والثورة” والى والى …
.
• حتى ان بعض هذه المواقف قادته الى “التهميش” وانزال العقوبات الحزبية والوظيفية بحقه، ومنها استنكار كبار المسؤولين في الدولة مطالبته بإطلاق سراح من اعتقلوا من الأدباء، باعتباره محسوبا على الدولة بحكم منصبه الوظيفي او الانتمائي وان من المفروض ان ينكر ذاته الأدبية لحساب ذاته الحزبية، ولم يكن ابو بادية من هذا النوع، وأقرب مثل يحضرني بهذا الصدّد هو مطالبته وامام “رئيس الدولة” بإطلاق سراح الكاتب والمفكر العراقي “عزيز السيد جاسم” والذي أودع السجن نتيجة غضب الرئاسة عليه، وكان مجرّد ذكر اسمه-أيّامها- يجعلك موضع مساءلة وشبهات، فكيف إذا طالبت بإطلاق سراحه، وهو ما تسبب من جرّاء مطالبته هذه بمعاقبته وظيفيا، وتهميشه تنظيميا، حتى صار اللقاء به هو ايضا موضع شبهة وتساؤل، في حين اكبرنا فيه – نحن عشاقه- موقفه وشجاعته وانحيازه الى الادب والأدباء بعيدا عن الحسابات والمكاسب .
• ابو بادية، ومنذ التغيير الذي اطاح بثقافة وجمال ورقي بغداد خاصة، والعراق عامة، غادر فيمن غادروا لأنه والاحتلال، والدبابات الأميركية، على طرفي نقيض، ولم يغادر لكونه “خائفا” أو ثمّة ما يخشاه في تاريخه الشخصي او الوظيفي، ففي كل بيت عراقي شريف له متكأ ومكان أمين، لكنها الهمرات، وجزمات جنود الاحتلال .
واليوم ..
يتنادى السياسيون للمصالحة
ويطالب الحرامية بستر سرقات بعضهم البعض تحت مسمّى “التسوية”
رؤساء العشائر يعقدون اجتماعات لفضّ نزاعاتهم
.
والوحيد “حمزة” حيث لا بواكي له ..
الوحيد، هو الأديب والمثقف والفنان العراقي، الذي يعيش مغتربا، ولا من جهة مؤسساتية، او وزارة معنية، او مبادرة حكومية نعلّق عليها أملا بان القادم “قد” يكون أجمل .
.
والمحزن ان الأدباء وحدهم الذين لا يهمهم الأمر وفي ظاهرة حقد عجيب أمتدّت حتى شملت الموتى (موقف اتحاد الأدباء من تأبين الشاعرين الكبيرين يوسف الصائغ وعبد الرزاق عبد الواحد)، علما ان كل الجهات التي سبق وان ذكرتها ترفع شعار “المصالحة مع الجميع الا الذين تلطخت ايديهم بالدم العراقي” فأيّ دم من الممكن ان تتلطخ به يد الشاعر او القاص او الروائي او المسرحي او الموسيقي .
.
ايها الوطن الذي غنى له حميد سعيد، وحرّض أحرفه على اعلاء تاريخه، وأفرد سنوات شبابه لخدمة ادبائه، ومثقفيه، وطلبة علمه، انني اطالبك بحميد سعيد، فالشاعر يدرج اليوم نحو الثمانين من عمره (عمر وعافية ايها الكبير ابو بادية، ومن عمر السياسيين والبرلمانيين على عمرك) ومن حقه على الوطن الذي أفنى زهرة شبابه من اجل اعلاء اسمه في الكتابة، والمهرجانات، والوظائف المتعدّدة، من حقّه على الدولة ان ترسل له وفدا وتدعوه للعودة الى أرضه وناسه، آمنا مكرّما، وهذا أبسط استحقاقه العراقي .
.
اعذرني ابو بادية لم أزر ـ معاليك - في دعوتي الأخيرة الى الاردن، حيث اشتركت بمهرجان الشعر العالمي الأول في أربد، فقد خجلت من شيباتك، وأوجعني ان ارى رياح الغربة تعبث بها، وأنت الذي طالما داعبتها مفكّرا كيف تخدمنا، والى أيّ مهرجان قادم تقترح اسماءنا الغضّة .
.
ايها الوطن..
ايها الوطن.
0 التعليقات: