أخر الأخبار

.

كتابة الشعر




كتابة الشعر


عراق العروبة
سامي مهدي 



ربما كانت هذه هي المرة الثانية التي أكتب فيها حول هذا الموضوع ، ولكنني ما زلت أرى أن الكتابة فيه أمراً مفيداً .


أظن أن من غير الممكن الالتزام بكتابة الشعر كما يلتزم بكتابة الواجبات المدرسية اليومية . هذا ما تقوله لي تجربتي الخاصة في الأقل . وما يكتب بهذه الطريقة يمكن أن تسميه ما تشاء إلاّ أن تسميه شعراً . فأن تخلو إلى نفسك مع قلم وورقة وفنجان قهوة كل يوم ، بنية أن تكتب قصيدة ، كما يفعل صحفي يهم بكتابة مقاله اليومي ، فإن ما ستكتبه لن يكون سوى مقال ، وإن غص بالتشبيهات والاستعارات والمفارقات والرموز .

ذلك لأن الشعر ليس صناعة حِرَفية رغم أنه لا يخلو من الصنعة ، وهو ليس مجرد لغة مجازية وإن كان لابد له من هذه اللغة . 

ولو استعنت بما شئت من رموز واستعارات ومفارقات وصور غريبة وطريفة ، فإنك لن تبلغ بما تكتبه مرتبة الشعر إلا إذا صدر عن انفعالات آنية حقيقية ، محملة بنفحات روحية ووجدانية ، أما إذا خلا من هذه الإنفعالات والنفحات ، فإنه سيفقد حيويته وسحره ويتحول إلى كتابة منطقية جافة ، بلا ماء ، بلا رونق شعري ، بلا سحر ، وسيستقبل المتلقي هذه الكتابة ببرود عقلي ، ويقرأها كما يقرأ أي مقال ، ولا تشفع لها عندئذ رموزك واستعاراتك ومفارقاتك وصورك وكل مهاراتك الحرفية. 

ولذا ميّز النقد منذ قرون بين الشاعر والنظّام ، وبين الفنان والحرفي ، فالشاعر فنان ، والنظّام حرفي ، وليس شرطاً أن يكون النظّام شاعراً عمودياً ، بل قد يكون من غلاة كتاب قصيدة النثر والنص المفتوح ، أو ما شئت من تسميات .

أظن أن الشعر يكتب بمزيج من الحلم والواقع ، والوعي واللاوعي . والإلهام والصنعة . والقصيدة القصيدة هي تلك التي تولد ولادة طبيعية ، بلا عملية قيصرية ، ولا طقوس مفتعلة ، لأنها هي التي تخلق طقوس كتابتها منذ لحظة ولادتها . ولحظة ولادة القصيدة هي لحظة عبقرية ، نبوية ، قد تكون متوقعة ، ولكنها لا تأتي في موعد محدد . والذين تحدثوا عن الوحي والإلهام في كتابة الشعر لم يصدروا عن محض أوهام ، بل عن دراية وتجربة ، وحين تحدث أجدادنا عن ( شياطين الشعر ، ووادي عبقر ) إنما كانوا يتحدثون عن تلك اللحظة الفريدة ويعبرون عنها تعبيراً مجازياً في حقيقة الأمر . أما الصنعة فهي عملية تالية ، عملية تشذيب وتهذيب وإلباس الوليد ( القصيدة ) الملبس الذي يلائمه ويليق به .

لست رومانسياً ، ولا أفهم العملية الشعرية فهماً رومانسياً ، ولكن هذه هي حقيقتها كما عرفتها وفهمتها . 
فعسى أن أكون مصيباً .

0 التعليقات: