أخر الأخبار

.

أصداف : صبر العراقيين


أصداف : صبر العراقيين

عراق العروبة
وليد الزبيدي



من مأثور حكاياتنا الشعبية، أن مخرزا نسي تحت الحمولة على ظهر جمل، ومن هذه الحكاية يستلهم شاعر العراق الراحل عبدالرزاق عبدالواحد قصيدته التي كتبها قبل سنوات، وصف فيها حال العراقيين مستشرفا ثورة عراقية عارمة بعد صبر طويل ومرير، شبهه بـ”صبر أيوب” وهو عنوان القصيدة، هكذا استهل القصيدة:

قالوا وظلَّ.. ولم تشعر به الإبلُ
يمشي، وحاديهِ يحدو.. وهو يحتملُ..
ومخرزُ الموتِ في جنبيه ينشتلُ
حتى أناخ َببابِ الدار إذ وصلوا
وعندما أبصروا فيضَ الدما جَفلوا
صبرَ العراق صبورٌ أنت يا جملُ!
وصبرَ كل العراقيين يا جملُ
صبرَ العراق وفي جَنبيهِ مِخرزهُ.

بعد المعاناة الطويلة وتحمل الأعباء المرعبة في كل شيء، ينفد صبر العراقيين لينطلقوا في ثورة عارمة هادرة عراقية صافية صادقة لا تقبل أية شائبة، ولم يسمح أبطالها من النساء والأطفال والشباب بتلويثها، لأنها خرجت وتدفقت وانطلقت من تراكمات عصفت بالعراق والعراقيين وأتت على كل شيء في بلد الخير والرخاء، حتى حولوه ساسته وحكامه جميعا إلى خربة وخراب ودمار ودماء وجوع وأسى ومقابر ونواح، لتغادره البسمة من الشفاه ويتلون البؤس في النفوس ويبثوا العتمة والقتامة في كل مكان، بلد هو الأسوأ بين دول العالم في الصحة والتعليم، وأصبح بلا زراعة وبلا صناعة وغادرته الحياة بكل أوجهها ومعالمها.

صبر العراق يا صبر أيوب
إن استعراضا سريعا وبسيطا للساعات والأيام التي عاشها العراقيون منذ أن وطأ الغزاة المحتلون الأميركان وبعد ذلك قدم من هرول معهم ومن لهث من الداخل خادما لهم، لا تجد ملمحا واحدا للحياة في هذا البلد، وبينما شرعت قوات الاحتلال بالقتل والاعتقال والتعذيب شمر السياسيون عن سواعدهم للسرقة التي فاقت أية سرقات عبر التاريخ وفي جميع دول العالم، حيث يقول الخبراء إن أكثر من ألف وستمئة مليار دولار دخلت العراق دون أن يكون لها أثر بين في جميع مناحي الحياة، ووجه الحكام أجهزة القمع للتعذيب والتغييب القسري والقتل والتهجير لملايين العراقيين في حملة إبادة منظمة أشرف عليها رؤساء الحكومات المتعاقبة ووزراؤهم ومستشاروهم وسفراؤهم ومساعدوهم وبدون استثناء، ولم تتوقف السرقات والانتهاكات ساعة واحدة طيلة هذه السنوات المرعبة العجاف، واستولى العمى على عيون الجميع وراهنوا على صمت الشعب الذي مارسوا ضده مختلف أنواع التسلط والرعب، لكن صبر أيوب قد يطول لكنه ينفجر بعد حين.

رحم الله الشاعر الكبير عبدالرزاق عبدالواحد وبورك أطفال ونساء وشباب الثورة العراقية التي لم يحصل مثيل لها مهما كانت نتائجها ومآلاتها، فقد تمكن الثوار من تحطيم كل ما بناه الأشرار وراهنوا عليه.
ويختتم شاعرنا الكبير الخالد قصيدته بهذه الأبيات:

وحين أغفو… وهذي الأرض تغمرُني
بطينها… وعظامي كلُها بلل
ستورق الأرضُ من فوقي، وأسمعُها
لها غناءٌ على أشجارها ثملُ
يصيح بي: أيها الغافي هنا أبدا
إن العراق معافى أيها الجملُ!

0 التعليقات: