أخر الأخبار

.

مظهر عارف‪ ‬لا تحزن




مظهر عارف‪ ‬لا تحزن!


عراق العروبة
هارون محمد




يبقى قلب زميلنا وصديقنا مظهر عارف طيباً، وأحلى ما فيه، أنه لا يحمل، كُرهاً ولا ضغينة، على أي أحد، حتى الذين آذوه وألحقوا به ضرراً، لا يقطع الوصل معهم، ويظل على اتصال بهم، وهو إنسان لا تفارقه الابتسامة، في أحلك الظروف، وأقسى الأحوال، ولا أغالي إذا قلت، وأنا أعرفه، منذ اكثر من نصف قرن، إنه إنسان مُدهش، في بساطته، وعلو تواضعه، وروعة صحبته، وقد زاملته في العمل مرتين، الأولى في صحيفة (الثورة)، قبل 17 تموز 1968، وأذكر ذات ليلة وقد دعانا، رئيس تحريرها المرحوم حازم مشتاق، إلى عشاء (باجة) في مطعم الحاتي بشارع الشيخ عمر، وكان يحمل مسدساً فضياً صغيراً، يصلح للزينة أكثر من القتال، وقبل ان ندخل إلى المطعم ناول حازم المسدس إلى مظهر، وكان يرتدي بدلة سفاري عريضة، وطلب منه ان يخفيه في أحد جيوبها الفضفاضة، وإذا بمظهر يُحّمر ويزّرق وقال: (أستاذ حازم شنو تريد تطلع العشا زقنبوت علي) واستطرد قائلاً: (اني سكينة ما شايل انوب مسدس)!، وضحكنا، وكان صادقاً، ومسالماً، ولم أره في يوم من الأيام في مشادة مع زميل، أو صديق، أو مشاجرة مع أحد.

أما المرة الثانية فكانت في جريدة (العراق) في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وفيها قويت زمالتنا، وتعددت لقاءاتنا، وكثرت جلساتنا، وكنا نستمتع بحكاياته، وهو يروي آخر طرائفه ونكاته، فهو، في هذا المجال، مستودع لا ينضب، وليس في ذاكرته عطب، يضاف إلى ذلك، أنه نموذج أيوبي، في الصبر والجلد، وله قدرة فائقة على تحويل حالات الحزن، إلى بهجة ومسرات.

وقبل أيام، فوجئت بمظهر مكتئباً، على غير عادته، وهو يكتب معاتباً، صديقه شاكر حامد، الذي هجر مهنته، التي عُرف بها بين الناس، مراسلاً تلفزيونياً نشيطاً، منتقلاً إلى سفينة، محمد ريكان الحلبوسي، رئيس مجلس النواب، مستشارأ له، وناطقاً باسمه، ويبدو ان هذه (الشغلة) بما تحمله من تبعات، وما تترتب عليها من نتائج، لم يكن يريدها مظهر، لصديقه شاكر، وحزّت في نفسه، وأخرجته عن طوره، وهو الهاديء دائماً، والضاحك أبداً. 

مظهر عارف
ومن اطلع على الرسالة المظهرية، لابد ولاحظ مسحة الأسف فيها، ونبرة الأسى عليها، وهذا هو ابن عارف الحقيقي، لا يهاجم، ولا يجرح، ولكنه بلغة مفهومة، وحسرة مكتومة، يعترف أنه في مشكلة، تضغط عليه، وأوقعته في حيرة، فلا هو يقدر على الشتم والهجاء، ويُفرّط بالصُحبة والوفاء، التي جمعته مع (أبو عشتار)، ولا هو يستطيع السكوت، على ما وصل إليه صديقه الأثير، وقد شبّه حاله، برجل دُعي إلى بيتين متقابلين في شارع واحد، أحدهما فيه عزاء، والثاني فيه عرس، واحتار إلى أيهما يذهب أولا، ولا يغضب الثاني، والعكس أيضا، فلم يجد غير ان يقف في وسط الشارع، وعلى مسافة واحدة، من البيتين المتقابلين، وراح يدير جسمه إلى منزل العرس و(يطك اصبعتين) فرحاً، ثم يلتفت إلى منزل العزاء، ويلطم على صدره باكياً، في مشهدٍ درامي، قلّ نظيره، برغم انني أعرف مظهراً، لا يُحسن (طك الأصابع) لاعوجاج قديم في أحد أصابعه، ولا يعرف اللطم يوماً، وهو أبو الأفراح والليالي الملاح، ولكنه اضطر إلى ضرب هذا المثل الشعبي، وليس فيه إساءة أو تجريح.

مظهر لم ينقلب على العشرة ـ بكسر العين ـ مع زميله وصديقه، ولم ينس فضله عليه، واعترف بذلك في رسالته، التي تنبض حرقة، وتحمل نصيحة، والسؤال هل وصلت الرسالة؟

انا لا أعتقد، لان شاكراً، غيّر جلده، واختار دربه، وانتقل إلى ميدان آخر، لا علاقة له بالإعلام والأخبار والشاشات، وانخرط في جوقة الكيد ونسج الأكاذيب والشائعات، بما يُرضي نزق رب عمله الجديد، وشخصياً لم أهتم، عندما علمت أنه استقدم، كتبة مغمورين، وأرباع صحفيين، واختار لهم أسماء وألقاباً، توحي أنهم (سُــّـنة)، دليمي وناصري وسامرائي .. إلى آخره، وسرّحهم يكتبون ضدي (إسهالًا) في مواقع الذباب، مقابل مائة دولار، وأحياناً مائتي دولار، للمقال الواحد، رداً علي، ودفاعاً عن رئيسه الحلبوسي، الذي جلدته بالحق والحقائق، ولن أفك عنه، حتى لو استخدم، ألف شاكر لأفضاله، أو ألف حامد لأمواله.

0 التعليقات: