أخر الأخبار

.

طائفية النخبة .. وفشل فعل التواصل



طائفية النخبة .. وفشل فعل التواصل


عراق العروبة
هشام السومري




كيف يمكن التواصل وخلق مناخ حقيقي للحوار بين شعوب الشرق؟ سؤال مركزي من جهة الذات الانسانية العاقلة لا سيما الذات التي تعيش مرحلة الصراع العالمي الحالي بوجه عام والشرقي الاسلامي بوجه خاص ، وهي المرحلة التي يمكن ان نسميها ( تحطم الحداثة) في اغلب مستوياتها وجوانبها المضيئة التي ابدعت فيما مضى.
كيف يمكن التواصل في ظل هذه الامواج الهائجة من الايديولوجيات المسيطرة على مجاميع بشرية مختلفة باختلافها؟ وربما – وهذا وارد جدا – تسيطر اكثر من ايديولوجية واحدة على ذات الفرد الواحد؟ افكار فيها نصيب من التطرف لا يمكن اغفاله سواء على المستوى الديني والطائفي او العرقي حتى امتدت الى مستويات مهمة في المجتمع ( أساتذة جامعيون ، مثقفون ، كتاب ، مفكرون ، اطباء …الخ) الكل مختلف على كل شيء، بل اصبح الاختلاف ظاهرة يعتد بها ومبجله. وبعد ان فشل رجال الدين في توطين فعل التواصل بين الشعوب رغم كثرة المؤتمرات والحوارات الدينية التي لم تحقق سوى مزيد من التشظي و الفرقة. اقول بعد فشل رجال الدين في تحقيق هذا الامر المصيري جاء الفشل القاتل من رجالات الفكر والثقافة او ما يسمون بالنخبة .

فهؤلاء درسوا والفوا كتب عديدة في جل المفاهيم الحديثة التي تعنى بحقوق الانسان كالتسامح وحرية الفكر والحرية الدينية ونقد النص اين كان دينيا او علميا او فلسفيا ..الخ وكانوا يتباهون في مجالسهم ونواديهم الثقافية وقاعات درسهم بما وصلوا اليه من فكر ورؤية للحياة تجعلهم في مصافي الالهة ، نراهم اليوم قد تنصلوا لهذه المفاهيم ووضعوا معاولهم الطائفية والقومية والاثنية في صميمها. (فاغلب) النخبة اليوم وللأسف تابعة كالقطيع للميديا الموجهة من جانب ، و للعقل الجمعي من جانب اخر. وتقهقروا كل حسب جذوره الدينية والطائفية والعرقية ،بعد ان كان من المفترض ان يكونوا حاملي مشعل التنوير و كشف زور اساليب الميديا الملوثة وارشاد عامة الناس للمفاهيم التي من الممكن ان تزرع بذرة السلام و الطمأنينة في المجتمع.

وان حاولنا وضع اليد على سبب هذا التقهقر سنجد ان البيئة الشرقية قائمة منذ مئات السنين على التمييز الديني و الطائفي و العنصري ، وان حرية الراي و المعتقد و احترام الانسان كذات عاقلة منفردة ليس له وجود متجذر. والمثقف هو ابن هذا المجتمع المقسّم. وطبيعي ان يفشل بأول اختبار سواء كان اختبار ديني او طائفي او قومي ..الخ. فنلاحظ الاغلب من هؤلاء قد انضموا للأصوات الطائفية والعنصرية النشاز التي تطلق تارةً من على منابر الدين وتارةً اخرى من مقاهي العامة و جلساتهم الفوضوية.

و ان جوهر الخلاف في الشرق هو ديني بالدرجة الاولى وقومي بالدرجة الثانية، فمن الضروري ابعاد الفقه الديني عن الممارسة اليومية والتقليل من التخمة الدينية اللامعقولة التي يشهدها العالم الشرقي ، فالدين لله والوطن للجميع كما قيل حقا ، لأنه وبكل بساطه لا يوجد فقه اسلامي موحد في العالم الشرقي بل توجد مجموعة انظمة فقهية كل نظام يختلف عن الاخر بمئات الممارسات والشعائر، وكل واحد من هؤلاء يحتكر الحقيقة لنفسه بل يبطل عمل الاخر دينيا!! وطبيعي ان كان الامر هكذا سيستمر الخلاف والتناحر والاقتتال بين محتكري الحقيقة الى الابد. فمن الضروري – وهذا هو الجواب عن السؤال المركزي التواصلي – ان نعيد صياغة مناهج التربية والتعليم وانشاء جيل جديد بعيد عن العصبية القبلية والطائفية الدينية قائمة على روح القانون العادل الذي يضمن حقوق جميع المواطنين ويحافظ على الاعراف والتقاليد التي تتفاعل مع الحاضر والماضي دون تعقيد لتواصل المجتمع. وان حصل هذا بالفعل ستحل مشكلة القومية بصورة طبيعية وهي الخلاف الثاني الذي يعاني منه الشرق.

وهذا لن يحصل الا اذا كان النظام السياسي مؤهل انسانيا ويمتلك ضمير ينظر الى الاخر بروح المحبة والمساواة. فالأنظمة السياسية هي المسؤولة بصورة مباشرة منذ مئات السنين الى اليوم عن ما يعانيه المجتمع الشرقي من ضياع وفقدان لكل امل. فالحكومات تدفع وتجذر هذه الخلافات العنصرية والدينية والطائفية منذ نشوء الدولة الاسلامية مرورا بالعصر الاموي والعباسي والعثماني والى هذا اليوم. فمخرجات نظامها التربوي والتعليمي انشأت لنا اجيالا طائفية و عنصرية ، اجيال متوحشة ودموية . ولا يمكن خلق مناخ حقيقي للحوار والتواصل بين الناس الا بإصلاح النظام السياسي ومن ثم خلق انظمة تربوية وثقافية قادرة على خلق روح المحبة في الفضاء الاجتماعي الواسع. وهذا الامر ضروري بعد فشل الخطاب النخبوي في الشرق حينما نجح ابان عصر الانوار في العالم الغربي .

فالأمر هنا معكوس للأسف فلم تنفع تلك النهضة الثقافية التي حصلت في الشرق اوائل القرن الماضي واستمرت لأجيال بل ذهبت كل تلك المؤلفات والخطابات ادراج الرياح لان الخلل الاكبر في النظام الحاكم الذي يقتل اي تنوير او تقدم يمكن ان يجلب الخير والسلام والتسامح للفرد والمجتمع .

0 التعليقات: