أخر الأخبار

.

ابن العلقمي الجديد يستقبلهم في بغداد!!؛





البويهيون يعودون من جديد إلى بلاد الرافدين بزعامة قاسم بن بويه سليماني
وابن العلقمي الجديد يستقبلهم في بغداد!!؛




عراق العروبة

الدكتور عباس العزاوي*



ان كان الإنسان وليد السماء، فهو ابن الأرض أيضاً، وهذه هي وحدته الروحية – المادية في إنسانية متكاملة متجانسة بانسجامها وتكاملها بهذا السمو وهذه الروعة المتناهية التي حباها الله عليه. فالإنسان ابن أرضه وبلده وتراثه وتقاليده، مهما حاول أن يكون إنساناً عالمياً أو كونياً، فهو متأصل بجذور عميقة تشده إلى انتماءه للوطن والأرض، وما أقسى وأمر الشعور بالغربة والإغتراب حين يهجر الإنسان أرضه ووطنه ويعيش حالة التشرد والتيه، ولكل إنسان منا مكانه الذي يقدسه في أعماق نفسه وفي ذاته، يحيا فيه ويرتاح إليه ويحن إليه حين يغادره، ومن ليس له هذا المكان فلا مكان له في الوجود الإنساني، ذلك لأن ما يحدد علاقة الإنسان بربه وبهذا الكون اللامتناهي تتجسد في عالم المكان والزمان والجسد، وهي تتجلى في الفكر والقلب والأعماق وكما ذكرنا فهذا المكان الذي يعيش الإنسان فيه هو مكان مقدس بالنسبة له، والحقيقة أن كل البلدان والأماكن يمكن أن تكون مقدسة إنما هناك أماكن تتمتع بقدسية خاصة ولأسباب شتى، ولكن علينا أن ندرك ونقتنع بأن القدسية ليست في ذات الشئ، أي أنه ليس مقدساً لذاته، بل من صفة تضفي عليه رهبة ومعنى وهالة من النور ويتسم برمزية خاصة وهي الأقوى والأبلغ عمقاً وتأثيراً، فكانت الأماكن التي ارتبطت بحدث أو باسم أو بتراث محدد لها معنى خاص للقدسية وتظل تتمتع بمكانة متيزة تختلف عن أماكن أخرى، ومن هنا كانت بلاد الرافدين بمثابة جنة من جنان الأرض أو هي جنة عدن، لأنها كانت في حالة تقدم ورخاء وعظمة تحسدها عليها سائر بلاد العالم، أليست مقدسة هذه الأرض المباركة، أرض العراق؟ وبالتالي ألا يكون هناك من يحسدها ويبغضها ويتمنى الإستحواذ عليها والسلطنة على أرضها وشعبها العريق؟
وكان اليهود والفرس من أشد البشر بغضاً وحسداً لبلاد الرافدين طمعاً للسيطرة على العراق والقضاء على دوره الإنساني والحضاري في العالم.

ومنذ آلاف السنين والحقد الدفين ينمو ويكبر في صدور اليهود والفرس، وشرعوا ينتهزون الفرصة تلو الأخرى للإنتقام من العراق وشعبه وحضارته ويعملون حثيثاً على تدميره، وإن استطاعوا محوه من الخارطة، وشطب اسمه من قائمة الدول في العالم، والسبب كله لأن العراقيين على مدى تاريخهم العريق كانوا السيف المسلط على رؤوس اليهود والفرس الشعوبيين وأفكارهم المقيتة الهدامة ونواياهم الشيطانية الخبيثة في المنطقة، ودار الزمن دوراته الثلاث آلاف سنة وحينما سنحت الفرصة عام 1991 م، وعام 2003 م للإنتقام من العراق بمساعدة أمريكا (الشيطان الأكبر)، وحلفاءها من الأبالسة والشياطين وفي مقدمتهم اليهود الصهاينة والفرس المجوس، حيث إشتركوا إلى جنب قوات الحلف الجهنمي البغيض وكلاهما قام بدوره الذي يريده ليفعلوا فعلتهما النكراء في النهب والسلب والتدمير وكانت أول ضحاياهما أثار العراق التي تنبيء إلى حضارته وتراثه الثر، ومازالت هذه الحملة المسعورة جارية على أرض العراق وكل هذة الحملات البربرية الوحشية وبإصرار شيطاني تمت تحت أنظار ومساعدة قوات الإحتلال الغاشم.

حين هشم الأفغان تمثالين قديمين لــ (بوذا) أقام الغرب وأمريكا الدنيا ولم يقعدوها بينما على تراث العراق وحضارته لم تتحرك تلك الدول لحماية أثار العراق أو حتى الإحتجاج!!

ألا يعني هذا الإصرار والتخطيط لعمليات السلب والسرقة والتدمير لشواهد العراق التاريخية بدفع من الصهاينة والفرس في إيران؟ ونتساءل أيهما الأهم والأعظم تماثيل بوذا، أم بابل منبع الحضارة؟ بمعابدها وتماثيلها، وأور بزقورتها، ونينوى بأسوارها إلا أن الحقد العنصري وعقدة الفرس واليهود من أرض الرافدين وشعبها، يأبى إلا الإنتقام من العراق وحواضره العريقة، وأثاره الثمينة، وحضارته التي هي أساس حضارات العالم كلها، فالعراقيون هم الذين أرسوا اللبنة الأولى للحضارة الإنسانية، ووطدوا أركانها، وبنوا صروحها في العراق. هم أول من خط الكلمة وأول من وضع تقويم الزمن اليوم، الأسبوع والشهر والسنة حتى الساعة والدقيقة. وإكتشفوا الكواكب السيارة الخمسة وبنوا أول معبد في الدنيا وهم الذين شيدوا أول مسرح، وأول قاموس لغوي وضعوه في اللغة السومرية والأكدية، وأسسوا أول مدرسة للتعليم بمكتبتها في الأداب والعلوم، ويكفيهم فخراً وهم في رخاء وخير عميم أنهم كانوا يصنعون مئة وعشرين نوع من الخبز!! وعشرات الأنواع من الجبن، كما أن إختراعهم للعجلة كان ثورة في عالم الزراعة والإقتصاد وخاصة في التجارة والحروب. وعلينا أن لا ننسى أن التوراة بأفكارها ومناهجها هي من تراث العراق الفكري القديم، فأغلب أسفارها مسروقة من أسفار العراق القديم. هذه كلها دفعت بالحليفين الأزليين اليهود والفرس للتحرك ضد حضارة العراق التي أنتجت في أعماقهم العقدة من حضارات بابل وأشور ونبوخذ نصر وراحت تنمو يوماً بعد يوم إلى أن تفجرت هذه العقدة في إحتلال العراق وعاصمتها بغداد – التي لن تسقط أبداً. ولن تندثر حضارته أبد الدهر، فهي باقية ومتواصة وسيكشف لنا الغد الآتي ما هو أعمق وأعظم. فحضارة العراق أصيلة وهي تشهد للحق والعدل منذ ولادتها حتى يومنا هذا إنها نور بهي لا ينطفئ وهيهات أن تطفئه محاولات القابعين في دهاليز الظلام والعتمة من فرس وصهاينة، فالعراق هو الذي أنار العالم القديم باكتشافه النار والزراعة والكتابة والعجلة وتدجين الحيوانات والفلك والزمن وحضارة العراق هي معين لا ينضب ولن تموت أو تندثر أبداً فهل تحجب الشمس بالغربال؟ وهل يخفى القمر في كبد السماء؟
هذه كانت رحلة إستكشافية قصيرة وفي عجالة لنتعرف على دوافع الحقد الفارسي الدفين على العراق وأهله منذ ثلاثة ألاف سنة مضت ومن ثم نستعرض بإيجاز شديد لمحاولات الفرس السيطرة على العراق خلال العصر العباسي الثاني ثم ننتقل إلى الإحتلالين الأمريكي والإيراني للعراق .
 
إستيلاء البويهيين على عاصمة الخلافة بغداد البويهيون هم ثلاثة أخوة: أبو الحسن على الملقب (عماد الدولة)، أبو علي الحسن (ركن الدولة)، أبو الحسن أحمد (معز الدولة)، أولاد أبي شجاع بويه بن فنخاسرو ويرجع نسبهم إلى بهرام بن يزدجرد بن سابور ذي الأكتاف الفارسي، كان أبوهم فقيراً مدقعاً يصطاد السمك ويحتطب بنوه الحطب على رؤوسهم، وهم يقطنون بلاد (الديلم) في الجنوب الغربي لبحر قزوين، وقد تصدوا لحركات الفتوح العربية الإسلامية في العهد الراشدي وتمسكوا بمجوسيتهم ورفضوا الإسلام، فإكتفوا بدفع الجزية، واستغلوا إضطراب الدولة العربية خلال فتنة عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب (رضي الله عنهما) فاشتطوا في التمرد على العرب والمسلمين والإسلام. وترجع تسمية البويهيين إلى اسم ابيهم (بويه بن فنخاسرو). توجهت أنظار أحمد بن بويه إلى العراق في القرن الرابع الهجري. وكانت الأحواز العربية المنطقة التي بدأ أحمد يطمع في الحصول عليها. حتى تصبح عملية الوصول الى بغداد ميسورة .
وبالفعل تحرك أحمد من الأحواز قاصداً بغداد في العام 334 هـ .

وتم لهم السيطرة الفعلية على مدينة بغداد عاصمة الخلافة. وقد يظن البعض أن البويهيين كانت لهم دولة والحقيقة لم تكن لهم دولة بالمعنى الصحيح إنما هم سيطروا على الخلافة العباسية وكان قطب الرحى في تسهيل مهمتهم هذه هم كل العناصر غير العربية خصوصاً الفارسية وبعض العرب من الشيعة الذين كانوا يحملون الحقد والكره للعباسيين أبناء عمومة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) وأتفق كل هؤلاء مع البويهيين في السعي لهدم وتدمير الدولة العربية الإسلامية. فقد قال أحد أمراء البويهيين مقولته المشهورة (ما جئنا لإقامة دولة، ولكن لإزالة شريعة)!!.
أصبح وضع الخليفة العباسي المطيع لله (ت 363هـ) ضعيفاً جداً أمام البويهيين حتى إعتدى البويهيون على سلطاته وصلاحياته واستولوا على جميع أملالكه فشاركوه بذكر أسمائهم وألقابهم على النقود إلى جانب الخليفة. وأخذت أسماؤهم تذكر في خطبة الجمعة. وقد أضفوا على أنفسهم ألقاباً ضخمة وفي أكثر الأحيان يرغمون الخليفة على منحهم مثل تلك الألقاب. لم تقف إعتداءاتهم عند هذا الحد بل صادروا أكثر الضياع للخلفاء العباسيين وأقطعوها لهم ولقوادهم وحددوا للخليفة مرتباً يومياً قدره ألفي درهم، ثم قطعها أحمد معز الدولة واستبدلها بربع ضياع في البصرة. وظل الخليفة محتفظاً بسلطاته الدينية في تعيين القضاة وأئمة المساجد وولاة الحسبة وأمراء الحج!! هذا بخصوص علاقتهم بالخليفة العباسي أما علاقتهم بالشعب العراقي في بغداد فقد كان لها شأن أخر لا يقل فضاعة وتنكيلاً وسطوة عن سطوتهم على الخليفة، لقد عبثوا بالقيم والأخلاق، وتدخلوا في خصوصيات الناس في عباداتهم ومعاملاتهم وسلوكياتهم وأخلاقهم، ولم يستطع الخلفاء العباسيين الإعتراض على أعمالهم هذه لأن ذلك يعني عزله وربما قتله والتنكيل به ومصادرة ملكه، فكان الخليفة يخشى وحشيتهم وإنتقامهم، فمن يعاندهم يقتل ويمثل به ومن يؤازرهم على الباطل يعاضدونه على أن لا ينكر علهم سلطان ولا وزير ويوافقهم فيما يفعلون، ولا يقبل صد شرهم متقدم أو أمير، وكان خطرهم فادحاً داهماً. والأنكى من ذلك أن خطرهم كان يمس كيان الدولة العباسية في الصميم وعلى كل حال فالبويهيون هم ليسوا الا مجموعة من المنافقين المندسين الطارئين على الدين والمذهب، فهم منحلون من ربقة الإسلام ومذهب التشيع الذي يدعونه زوراً وبهتاناً، أقدم البويهيون على إذلال الأعزة من أهل بغداد وإنتهكوا المصون من أعراضهم .

وقد قامت الفتن الطائفية وأنتشرت الفوضى في البلاد وساد الفزع بين الناس وضاقوا ذرعاً بالبويهيين وبذلوا كل ما يستطيعون للخلاص من عناصر البغي والفساد وأشير هنا في عجالة إلى قضية الفتن التي كان بنو بويه يثيرونها في بغداد فقد كان في كل عام في العاشر من محرم تقع فتنة في البلاد عامة حيث يأمر أحمد بن بويه في هذا اليوم من كل سنة أن تغلق الأسواق وأن تلبس النساء المسوح من الشعر (من شعر الماعز) وهذا القماش يلبس تقشفاً وقهراً للجسد وهو بلون أسود حزناً على الموتى، وأن يخرجن في الأسواق كاشفات عن وجوههن، ناشرات شعورهن، يلطمن وجوههن، وينحن على سيدنا الحسين بن علي (رضي الله عنه). بل عملوا أكثر من ذلك بأن يكتب أتباعهم عبارات على أبواب المساجد فيها لعن للصحابة (رضي الله عنهم) لقد ساموا أهل العراق صنوف الإضطهاد والتنكيل وتم فرض البدع الفارسية عليهم، وصادروا أموالهم وإستباحوا دمائهم وقاموا بأعمال سلب ونهب وترويع الأمنين وقتل الأبرياء حتى لم يسلم منهم الخلفاء العباسيين أنفسهم في بغداد وقد قوي أمر أحمد بن بويه، فحجز على الخليفة المستكفي (ت 338 هـ) ودخل عليه ومعه جنده فانتزعه الجند من سريره وجروه وقاموا بنهب دار الخلافة حتى لم يبق فيها شئ، وساقوا المستكفي مشياً، ثم خلعه أحمد من الخلافة وسمل (فقع) عيناه وكرر هذا الفعل الإجرامي مع أخيه المتقي وكذلك فعل أحمد نفس الشئ مع الخليفة القاهر(ت 339 هـ) حيث فقع عيناه كما فعل مع أخيه المتقي (ت 357 هـ) وهم خلفاء الأمة فأي حقد وكراهية وضغينة تعج بها نفوسهم وقلوبهم ضد العراقيين والعرب. وأود أن أنوه هنا أن ظاهرة النهب والسلب التي تعرضت لها مؤسسات الدولة العراقية والوزارات والدوائر الحكومية خلال عامي 1991م، 2003م في فترة الغزو الأمريكي، لها جذورها التاريخية منذ ألف سنة وأن أصلها هم آل بويه الفرس، حيث فعلوا ما فعلوه بدار الخلافة العباسية .

إن البويهيين ومن والاهم من بعض شيعة العراق آنذاك ليس لهم مبدأ أو عقيدة بل أن هدفهم الأساسي هو هدم الإسلام من الداخل، بإحداث الفتن وإيقاع الخلاف بين الناس لشل حركة الأمة وإضعافها حتى يمكن السيطرة عليها تحقيقاً لأطماعهم الشعوبية الإجرامية، وبعد طول معاناة العراقيين من سيطرة البويهيين حانت لحظة الخلاص منهم وتمكنوا بمساعدة السلاجقة (الأتراك) من إزالة السلطة البويهيية من جذورها عام (441هـ). وبذا انتهت مرحلة السيطرة البويهيية على الخلافة العباسية – ولله الحمد والمنة. ولكنها تعود من جديد بعد ألف سنة للإستحواذ على عاصمة المجد والعروبة بغداد الحبيبة. لقد أبتليت الأمة الإسلامية بالعنصر الفارسي الهدام بين شعوبها فهذا الزنديق عبدالكريم بن ابي العوجاء الذي قتله أمير البصرة العباسي محمد بن سليمان في سنة (162هــ) وقال له (ليس علي في المثلة بك حرج لأنك زنديق قد أفسدت الناس) فقد اعترف هذا المجرم الضلالي بجرمه الشنيع حينما أيقن بأن الموت ملاقيه لا محالة، بقوله (لقد وضعت فيكم أربعة الاف حديث أحرم الحلال وأحلل الحرام) وقد نسب تلك الأحاديث الموضوعة للرسول محمد (صلي الله عليه وسلم)، وكذلك فعل كاتب الخلافة العباسية ابن المقفع (ت 142 هـ) الذي كان مجوسياً وأسلم نفاقاً واسمه الفارسي (روزبه بن دانويه)، وقد كتب الكثير من النثر هي في أغلبها تتضمن خلط الحق بالباطل، والرذيل بالحسن، والصالح بالطالح. لكن الله تعالى وبهمة جهابذة العرب المسلمين من التابعين واللاحقين قد تمكنوا من إيقاف غوائل الدس والوضع والكذب على الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهنالك مشهد أخر أكثر إيغالاً في الجريمة بحق العراقيين والعرب وهو ما قام به ابن العلقمي الملعون وزير الخليفة العباسي المستعصم بالإتصال بهولاكو أمير التتار وفي نفس الوقت أشار على الخليفة بتسريح قسم كبير من الجيش وقطع المال عن الجند حتى أصبح عديد أفراد الجيش أقل من (20) ألفاً بعد أن كان (100) الفاً وهي خطة خبيثة ليسهل دخول هولاكو بغداد، وقطع أرزاق الجند قبل المعركة مع التتار وثبط همة الخليفة وصرفه عن الإستعداد لملاقاة جيش العدو التتري وحينما احتل المغول بغداد (606 هـ/1258م) نصبه هولاكو وزيراً له مكافأة له على خيانته للخليفة العباسي .

وبهذا فإنه مهما تعدى الزمن وتغيرت الأحوال فإن الحقد الفارسي على العراق والأمة العربية لايزال ممتداً إلى يومنا هذا، فالأفكار لا تموت والعقليات لا تتغير، إنما تتغير الأشكال والوجوه فلا غرابة الآن أن يعودوا من جديد للسيطرة على بلاد الرافدين ويضعوا أيديهم بأيدي الصهاينة والأمريكان سراً
وفي العلن للغدر بالعراقيين والعرب، ولكن هيهات وألف هيهات فلن يستطيعوا النيل من العراق وأهله وإن تمكنوا من السيطرة عليه بفضل الموالين لهم من الأصول الفارسية ومن الحاقدين والمجرمين فهي حالة مؤقتة وسيصطدم مشروعهم الخبيث بالصخرة العراقية الصلبة وسينهض العراق قوياً شامخاً يقول الشاعر الأعشى بن قيس :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها    ولم يضرها وأوهى قرنه الوعل

ليس هناك شك أن الفرس قد إنخرطوا في صفوف التشيع لآل البيت الكرام (رضي الله عنهم جميعاً) وإنتحلوا مذهب التشيع، وتظاهروا بحبهم لآل البيت كذباً ورياءاً، بهدف نشر آرائهم الباطلة، وبث أفكارهم المسمومة المعادية للعرب والمسلمين، فاتخذوا ذلك ستاراً يعملون من خلفه لتحقيق مآربهم الخبيثة الهدامة. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه فبعد مضي أكثر من ألف سنة على سيطرة البويهيين على بغداد يعودون من جديد بزعامة حفيدهم الإرهابي قاسم بن بويه بن سليماني!!! ويظهر في بغداد ابن علقمي جديد محترف في الإجرام والقتل المدعو هادي العامري وهو يرشد البويهيين الجدد إلى عاصمة العروبة الأبية بغداد الحبيبة .

هم يعلنون بكل وقاحة وصلف وعدوانية أمام أنظار العالم أجمع أنهم يريدون السيطرة على العراق وضمه إلى بلاد فارس في محاولة منهم لإحياء دولتهم وأمبراطوريتهم الساسانية قبل الإسلام وإعادة وثنيتهم القديمة ولما لاقى الفرس قوة ومجابهة من العراقيين وأدركوا أن العراق لن يهزم وأيقنوا أن لا مجال للإنتصار على الشعب العراقي إبتدعوا أسلوباً جديداً مبني على المكر والخداع والظهور بمظهر الحرص على العراق واستقراره ووحدته كما يدعون ذلك كذباً وزوراً في حين أنهم يبطنون شيئاً أخر في داخلهم على النقيض مما يظهرون وهم بذلك لن يتخلوا عن وثنيتهم التي نشأوا عليها وتربوا في أحضان طقوسها، فرسخت في نفوسهم وجبلوا على تعاليمها وأحكامها، هكذا اذن تعمل معاول الهدم والغدر فتنطق ألسنتهم ما ألفه الناس وفي قلوبهم زيغ وضلالة، وإستعملوا كل وسائل المكر والخديعة وتعاونوا مع شياطين الإنس والجن للفتك بالعراقيين وتوجيه سهام الغدر لهذا الشعب الذي دك عروشهم وازال مجوسيتهم زمن الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فأصابهم ذلك في مقتل وهم ينظرون كيف أن الناس للخليفة مقدمون، وهم حوله ملتفون، ولصحبته للرسول مقدرون، ولمكانته عارفون، فإنطلق السهم الفارسي الغادر الى المرمى وقتل الفاروق (رضي الله عنه) وكان القاتل هو الفارسي المجوسي فيروز النهاوندي ويسمونه الفرس (أبو لؤلؤة). والآن يستبيح البويهيون الجدد أرض العراق وعاصمته الشامخة بمساعدة زبانية الفرس من حكام السوء والرذيلة بوجوههم الكالحة وقسائمهم التي تكشف عن غلظة ووحشية واحتراف في الجريمة والقتل وسفك دماء الأبرياء .

المرجعية والفتوى:
لقد كانت المرجعية البائسة البائدة وفتواها سيئة الصيت، هما الأرضية الأساسية التي اعتمدتها الأحزاب الطائفية في فتح الطريق والإنتقال منها إلى الحالة (الميليشياوية) وبغض النظر عن اللجاجة في الفرق بين الفتوى وهدف مشرعها وبين الهدف الحقيقي من ورائها وهو القتل والتدمير والتهجير للأبرياء على المذهب والهوية والحقيقة التي تخزق عيوننا كل يوم هي ما نراه من جرائم وحشية يندى لها جبين الإنسانية والتي لا تمت لظاهر الفتوى بصلة إنما هي الحجة المعتمدة في عمليات الإبادة الجماعية وتشريد أهالي القرى والمدن من مناطقهم التي تمارسها جماعات الحشد والحقد المجرمة ونقول أن العبرة في النتائج التي ترتبت على هذه الفتوى (مفتوحة الصلاحية) في الفعل وفي المكان والزمان إن هؤلاء المجرمين الذين قتلوا وحرقوا ونهبوا واعتقلوا ابناءنا العراقيين وأفسدوا في الأرض هم صادقون مع أنفسهم ومرجعيتهم كاذبون على الله وخلقه. فماذا كنا ننتظر ممن تتلمذ على يد قاسم بن بويه! وحرسه الإرهابي اللاثوري الصفوي بالتأكيد سيكون هذا هو سلوكه وفعله بما يرتكبونه بحق شعبنا من اهدار لدماء الشباب دونما مبرر قانوني أو أخلاقي فقط هي الرغبة الشيطانية في الإنتقام وسفك الدماء .

وبالتأكيد فإن أصحاب الخطاب التحريضي الذين يعتلون منابر الحقد والكراهية والفتنة التي دستها في قلوبهم ونفوسهم دولة إيران الفارسية، منابر السوء والشيطنة في المساجد والحسينيات أيام الجمع وغيرها يضمرون (التقية) فظاهرهم إلى الله أقرب وهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن كتاب الله وسنته وسجايا آل البيت الكرام. في قلوبهم غل وحقد وما خفي كان أعظم ونحاول في السطور التالية أن نتبين باقتضاب الإجابة على تساؤل مشروع ومهم وهو: من صاحب الفعل الأبلغ والأشد أثراً في تقتيل شعبنا وتشريدهم وتدمير منازلهم وحرقها، الحشد الطائفي الذي يحمل السلاح والمعاول والفؤوس لهدم المساجد ودور المواطنين أم من يعكف بخطة ممنهجة مدروسة ومهيأة سلفاً على تفريخ الأفكار الهدامة الإجرامية؟ وتلقين الطرف الأول وتحشية أدمغتهم الخاوية بالفكر الإنتقامي الذي يؤسس لسلوك إجرامي واحتراف للقتل والتدمير فهؤلاء عمائم السوء والرذيلة ينمون من خلال منابرهم المتعفنة الرخيصة وباسم المرجعية والمذهب ينمون في عقول شبابهم التي يلفها اللاوعي الجمعي بسبب الإدمان على المخدرات وأقراص الهلوسة والهذيان التي يدمنون عليها بالتالي تحريضهم على القتل والبطش بالناس في المدن التي تقاوم المشروع الفارسي الأمريكي الصهيوني في العراق فالمواطن في هذه المدن أمامه ثلاث خيارات : أما القتل أو الإعتقال العشوائي في معتقلات سرية تحت الأرض خاصة بالأحزاب والحشد الشيعي أو التهجير والنزوح القسري من مدنهم وقراهم إن من يعتلي منابر الفتنة والتحريض الطائفي ومن ينفذ إملاءاتهم من الحشد صنوان لا يفترقان يشتركون في جرائم تعددت ضحايها وأشكالها والفاعل واحد معلوم، هم دعاة القتل والجريمة يأمرون فيطاعون من هم ليسوا أكثر من حثالات الذين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين الزكية لقد تحول هؤلاء إلى محترفين في القتل الوحشي وسرقة أموال المواطنين ونقلها الى مدنهم التي فيها أوكار هم المظلمة كأعشاش الخفافيش. وفي الحقيقة أن القضية قد تجاوزت فتوى المرجعية المتهالكة وتحولت إلى ظاهرة خطيرة تتضمن إذكاء روح الإنتقام والقتل على المذهب وغسل أدمغة شبابهم المنحرف وتهيأتهم للقتل الطائفي حتى فرخوا كل هذا الإجرام وأصبحوا خطراً داهماً يقلق العراقيين، فرائحة الموت والدم تنتشر في القرى والمدن إينما وطأت أقدام الحشد المجرم فمن يسلم من بطشهم بالقتل فإنه لن يسلم من دائرة ومفهوم الإشتباه هذا المصطلح اللامتناهي في المعنى والقصد، يتكرر على ألسنة الأحزاب والمليشيات ووسعوا دائرته ليشمل المئات من المواطنين الأبرياء. ليس هذا فقط بل إستنزف الحشد الطائفي خزينة الدولة المنهوبة والخاوية في الأساس .

من هنا فقد أدت الخطابات المتشنجة والسمجة لأصحاب المنابر إلى انتاج نمط جديد من السلوك لم يألفه العراقيون وهو ظهور السياسة التسلطية الدينية التي تزعم انتمائها للمذهب وهي أبعد ما تكون عن التدين والدين أدت هذه السياسات الخبيثة (المطاعة) إلى تسويغ العنف الهمجي المدمر وشرعنة القتل على الهوية وهذه السياسات أساسها الإنتقام والثأر وهي تراود الفرس منذ عقود طويلة، بحجة الثأر لما يسمونه بالمظلومية لأتباع المذهب وفي الحقيقة هي ليست كذلك فأفعال زبانية الفرس وخدمهم قد برهنت منذ أن حكموا العراق على أنهم لا هوية لهم ولا دين وليسوا من المذهب في شئ إنما هم حثالة اللصوص والسراق والمجرمين وقد إستفاق الشعب أخيراً على أنهم أنما جاؤا لتحقيق مصالح وأهداف أسيادهم الأمريكان والفرس في تدمير العراق واذلال شعبه ومحو ماضيه المشرق ثأراً لأجدادهم وملوكهم الفرس الذين قضي عليهم على أيدي فرسان وأبطال العراق والعرب .

ليس جديداً القول أن الصراع في العراق اليوم هو صراع حياة ووجود وليس صراع سياسات ومصالح فإما تبعية مطلقة لدولة إيران الصفوية أو العودة بالعراق معافاً شامخاً قوياً إلى محيطه العربي ليعود فاعلاً ومؤثراً وقائداً، إن خطابهم المذهبي المتشنج والعقيم، يعود إلى موروث متخلف عفى عليه الزمن وهو خطاب تأويلي قد غطته الأتربة فصار أثراً بعد عين وهذا الخطاب هو نوع من الصفاقة والسفه، هذا الخطاب تمتد جذوره إلى العام الهجري الأول فالمنشئ والمؤسس لهذا الخطاب الطائفي المقيت هو عبدالله بن سبأ وهو يهودي من اليمن أسلم مع المنافقين وحقيقته أنه شخصية هلامية كان حاقداً على العرب والمسلمين وهو أول من أظهر الطعن والشتم في الصحابة (رضي الله عنهم) وكان هدفه تخريب الإسلام من الداخل وقد أشعل جذوة الفتن منذ ذلك الوقت ولم تنته حتى يومنا هذا .

هيمن هذا الفكر المنحرف على عقول الشيعة الصفوية في إيران وتبعهم في ذلك بعض الشيعة في العراق ونقصد بهم الشيعة المتصهينة وليست الشيعة العرب الأصلاء. وأمام هذا الفكر الطائفي قد يجد البعض ممن يتبع عمائم الكذب والإفتراء أنه إن أراد تغيير أفكاره ومنهجه فإن سيجد عسرة في ذلك فهو سيصطدم بجدار صلب في محاولته للتجديد والتغيير والنأي بأفكاره عن هذا اللغط والكذب ومقاربتها للحقائق التي تدحض الباطل وتلجمه، والسماح لصوت العقل أن يأخذ دوره بعيداً عن الأوهام والمخادعات التي أشاعها أصحاب الخطب الرخيصة المبتذلة من على منابرهم الغارقة في وحل الكذب والخديعة وتهافتهم على اذكاء روح وثقافة الثأر والإنتقام وإدعائهم بأنهم ومن يتبعهم يمثلون معسكر الحسين بن علي (رضي الله عنه) في مواجهة معسكر يزيد بن معاوية (الذين ليسوا على مذهب الشيعة) فحرضوا العامة المغيبين والمغرر بهم والحاقدين على العرب من المجرمين وذوي الأصول الفارسية، للثأر لمقتل الحسين مع أنهم هم من عاهدوه على البيعة وخانوا عهدهم ونقضوه ثم قتلوه وكانت قلوبهم معه كما يدعون لكن سيوفهم عليه!! كل هذا يجري في ظل تراجع القيم الأخلاقية لدى هؤلاء النفر الضال من الناس، أغلبية من المتلونين الأفاقين الذين لا يعنيهم ما يجري في العراق من سلب ونهب وقتل لأنهم يتبعون مرجعية تضللهم وتحجب عنهم الحقائق. لا يعلمون ما يجري وهم بحاجة إلى معارف ومفاهيم تتناسب والعصر الذي نعيشه وليس العيش في ماض قد مضى عليه قرن ونصف هو أقرب ما يكون بعالم غيبي خيالي لا صلة له بالوقائع ولا مكان له في الحاضر وفي هذا نرى أنه من الخطأ الفادح إعطاء دور مهم لهذه المؤسسة الطائفية المتخلفة والمهلهلة في الفكر والمنهج والتصور والسلوك، مؤسسة يأكلها الفساد فهي عاجزة عن إنجاز شيئ ينفع الشعب في هذه الظروف الخطيرة والحرجة أو إيجاد حلول لهموم العراقيين ومصائبهم، لقد أصابتها الشيخوخة والشلل وهي عاجزة عن اتخاذ المبادرة والقرار لحقن دماء العراقيين ووقف هذه الجرائم البشعة بحق شعبنا المجاهد .

إنما هي تتصرف هكذا بإنحياز غبي ومتهالك للطائفة والمذهب على حساب العراق، وكما أشرنا فقد إتسمت هذه المؤسسة بضعف التكوين الثقافي والديني ورجعيته المتخلفة وضحالته، وإنحطاط التكوين الأخلاقي والسلوكي وذلك يرجع لأسباب أهمها :

1- تبعيتها المطلقة لولاية الفقيه وتنفيذها لأوامر جارة السوء إيران وعدم محاولة الخروج من الدهاليز المظلمة التي تعيش فيها وتستنبط أفكارها المتخلفة والعقيمة في أجواء رطبة مشبعة بروائح الدجل والشعوذة وبين فينة وأخرى نسمع عن (إعتكاف) كذا مرجع طائفي أو معمم سوء ثم ينتهي الإعتكاف لكننا لم نحصل على إجابة محددة على ماذا الإعتكاف وما هي النتائج المستحصلة منه؟ اذن والحالة هذه يصبح من الضرورة أن تجدد هذه المؤسسة البلهاء، الخرقاء لرؤاها وتجري تغييراً في فكرها المشبوه الضلالي الأجوف والمنحرف ونتمنى على كل من يملك عقلاً من أتباعهم أن ينسلخوا من الإنتماء والولاء لهذه المؤسسة البالية الفاشلة وعدم الإلتزام بما يصدر عنها من أوامر وتعليمات عقيمة وما تلوك به ألسنتهم الوقحة من كذب وإفتراء فيجترون الكلام من بطونهم كما يجتر الجمل غذاءه من جوفه. يقول الإمام الشافعي رحمه الله :
إذا نطق السفيه فلا تجبه        فخير من إجابته السكوت
فإذا اجبته فرجت عنه         واذا تركته غيظاً يموت

إننا حين نتحدث عن الفساد الذي استشرى في البلاد فلا نقصد به الفساد المالي من نهب لأموال الشعب والإعتداء على حقوقه فقط، إنما نعني به الفساد الأكبر في الأثر والنتائج ومستقبل العراق وهذا الفساد هو محاولة تغيير أنماط وسلوكيات المجتمع العراقي وأخلاقياته وقيمه التي هي صمام الأمان لإستمرارية الإنتماء للعروبة والحفاظ على إرثه الحضاري وتاريخه المشرق، والغاية الخبيثة لهؤلاء خونة الوطن والأمة في ذلك هو التأصيل لزرع خبيث يعطي ثماراً خبيثة في المجتمع إبتداءاً من تغيير مناهج التعليم في كافة المراحل الدراسية بما يتناسب وأهدافهم الهدامة الخبيثة والتبعية المطلقة لإيران، في تشويه خطير لعقول الشباب وما ترسخ في أذهانهم من قيم وسلوكيات وأخلاق توارثوها جيلاً بعد جيل، وألفها الإنسان العراقي منذ مئات السنين وازدادت هذة الأنماط والأفكار والقيم نضجاً خلال السنوات التي سبقت الإحتلال الأمريكي للعراق .

لقد قدمت هذه السلطة العميلة إنموذجاً رخيصاً، دنيئاً ومشوهاً للمجتمع الجديد الذي يزعمون أنهم يتولون بناءه من جديد وبالتأكيد فهذا يعني أنهم سيحاولون ترسيخ الطائفية وثقافة الإنتقام والأخلاق المتدنية والطباع الرذيلة، والهزيلة، هذا الفكر الجديد إن صح تسميته فكراً، قد أنتج أفراداً مشوهين تربية وسلوكاً وتعليماً وإدارة، فسمعنا قصصاً عن الفساد والسلوكيات الخرقاء عن المسؤولين الغارقين في وحل الخيانة دون إستثناء وللأسف فقد إنتقلت العدوى إلى عوام المجتمع وفي دوائر الدولة إن سميناها تجاوزاً (دولة) وهي المستباحة من أحزاب السلطة الحاكمة، لقد عملوا على (تجريف) فكر الشعب وعقله وأنماط حياته التي إعتاد عليها كما تجرف النخيل الباسقات من جذورها. فقاموا باهدار مقومات الإتزان والإعتدال في المجتمع. في محاولة لجعل الشعب ينتحل الغش والخداع والتحايل في حياته العامة وفي علاقته بالأخرين .

إن القضية كما نراها ليست أموالاً ضاعت، وثروات نهبت، وأملاك سرقت من عصابة مجرمة تسلطت على البلاد والعباد. إنما القضية الأخطر هي إفساد هذه السلطة الصفوية لجيل من الشباب حبسته في زنزانة مظلمة ومناخ موبوء بالمرض، وحرمته من تعليم نزيه وحقيقي وعدم إيجاد فرص عمل لهؤلاء الشباب، لكنها عمدت لتأصيل الفوضى والإرتباك وإنعدام الثقة بالمستقبل واليأس من كل تغيير نحو الأحسن في كل مرافق الحياة، وغياب كامل للرؤى الواضحة لما هو مطلوب في تلبية متطلبات الحياة وإرهاصاتها المثقلة بالإنحراف والتشويه فكان لابد أن يظهر كل هذا التخلف الفكري والإنحطاط السلوكي والتطرف الطائفي مما تسبب في انتشار مهول ومخيف للجريمة المنظمة في وضح النهار .

إن قضيا الفساد والمفسدين لا يمكن الحديث عنها في ظل هذه الحكومة الباغية بعيداً عن الجوانب الأخلاقية والسلوكية في حياة العراقيين .

وبالتأكيد يتحمل المتقدمين في المجتمع من أساتذة جامعات وأدباء وصحفيين إن كانت هناك صحافة حرة وملتزمة، وبعض المتخصصين الذين لازالت ضمائرهم حية واعية ونفوسهم لم تبع، والذين لم يهادنوا حكام الخيانة والسوء، كل هؤلاء يتحملون مسؤولية فضح الحكومة وتوعية أبناء الشعب وعرض الحقائق عليهم ليطلعوا عليها وتقييم وتحليل ما يجري في البلاد من عبث ودمار ونهب .

وعتبنا كبير على هؤلاء النخب من أبناء شعبنا المجاهد فلا نريد لهم أن يكون حالهم كما قال الشاعر فاروق جويدة :
اذكر تاريخاً جمعنا      اذكر تاريخاً فرقنا

أمام حكومة الخونة لا نجد مبرراً لمحاكاتهم ذلك لأن أساسهم مشوه ومشبوه، فلم ينشأوا في حضن العراق وبين حنياه بل نشأوا وتربوا في أوحال الخيانة في إيران وغيرها من بقاع الأرض، حيث البيئة المناسبة والخصبة لإيواء الخونة والمجرمين واللصوص، قال عنهم الشاعر أبو الطيب المتنبي:
فعشت ولا أبالي بالرزايا    لأني ما انتفعت بأن أبالي

والقضية الأخرى هي أن الأجهزة الإدارية في الوزارات والدوائر التابعة لها تتبع في الغالب للسلطة والأحزاب العميلة الحاكمة وبالتالي ليس بمقدورها القيام بواجبها الوظيفي والوطني في رصد المخالفات الفاضحة التي يمارسها أركان الحكومة الفاشلة في هذه الوزارات ولا ندري فربما نالهم ما نالهم من الكعكة فلجمت أفواههم وأطبقوا على ألسنتهم فهي خرساء، وأصموا أذانهم فهي صماء، وبالعودة إلى زمر وأزلام المنابر الخبيثة الملعونين نقول إذا كان يحتجون بالدين والمذهب ويوهمون أتباعهم بأنهم على نهج آل البيت فهم مفضوحون للملأ لأنهم ليس على أخلاق وسجايا آل البيت الكرام في شئ ولا الحلال والحرام في الإسلام، فالدين إن لم يترجم إلى سلوك وأخلاق ومعاملة فهو فاقد لأهم عناصر وجوده ومقوماته، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الدين المعاملة). لأن الله سبحانه وتعالى أرسل الأنبياء والرسل كافة بدوافع أخلاقية تفرق بين الحلال والحرام قال صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) حتى العبادات في الأديان السماوية هدفها التواصل مع الله تعالى خشية من عقابه أو مخالفة أوامره ورحمة وإيماناً به سبحانه. وأن البشر أي بشر في الدنيا إذا تخلوا عن الجوانب الأخلاقية والسلوكية في العقائد، فإنهم يحولونها إلى مجموعة طقوس خاوية مشوهة تتخفى فيها خطايا وأثام البشر .

كما هو حاصل اليوم في الطقوس والشعائر التي يقيمها هؤلاء المخادعين المنافقين بمناسبة ومن غير مناسبة يقيمون العزاء والولائم ويطهون صنوف الطعام ويبالغون في ذلك فينفقون عشرات الملايين من أموال الشعب الذي يعيش الفقر والجوع وفي كل مناسبة تصرف أموال طائلة لا حصر لها ودونما مبرر يتسترون بهذه المناسبات ويتبعهم في ذلك الغاوون من الناس من قطاع الطرق واللصوص وأخرين مغرر بهم فلا عقول يفكرون بها ولا قلوب يبصرون بها (لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم أذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) الأعراف آية 179، فهم يرون الباطل ولا ينتقدون أهله، ويرون السارق والفاسد فلا يعترضون وينكرون عليه ذلك، هؤلاء التوابع كالإمعة يتراكضون خلف أصحاب العمائم دون أن يكون لهم موقف خاص بهم قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تكونوا إمعة تقولون أن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤا فلا تظلموا). ومما يؤسف له أن هؤلاء الأتباع هم بغير عقل واع، وهم مع كل الإتجاهات مصلحتهم فوق كل شئ، ليس لهم مبدأ أو قيمة تذكر مع الناس، يتلونون كالحرباء، فتراهم بوجهين يباعون ويشترون بأبخس الأثمان، رأيناهم في ما يسمى الإنتخابات المهزلية المزورة كيف كانت أصواتهم تشترى من الأحزاب، اذ لو كان لهم مبدأ وقيم لن تؤثر فيهم سبائك الذهب اللامعة ولن تخيفهم سياط الجلادين نراهم في تذبذب دائم، إن أشد الأخلاق إنحطاطاً أن يكون الإنسان إمعة. لقد أصيب المجتمع العراقي بمرض نفسي خطير نتيجة الإحتلالين الأمريكي والفارسي البويهي، وهو اشاعة النفاق بين الناس فهو أي الفرد مع القوي ولو تبدل الأقوياء مع القوي الحالي، ومع القوي القادم! يتهافتون لإرضاء حكام السوء والفساد وموالتهم حتى مع ظلمهم ومفسدتهم وما علموا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يشير إليهم في قوله (يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر). والله إنهم حثالات بحق، يتبعون من يتاجر بالدين والمذهب كذباً وإفتراءاً، وهم يعلمونهم جيداً عمائم الغش والخديعة والنفاق، يظاهرون الناس بالتقوى والإيمان وإتباع المذهب والدين والمذهب منهم براء، قال الإمام الشافعي رحمه الله : (لأن ارتزقت بالرقص أفضل من أن أرتزق بالدين)
أيها العراقي في بغداد المجد والبطولة وفي وسط العراق وجنوبه إعلم إنها ليست بطولة أن تكون مع أكثرية تائهة شاردة تلهث وراء هذا وذاك من الحكام والأحزاب في السلطة. بطولتك التي يحفظها لك التاريخ وتقر لها عينك هي اصطفافك مع الحق ضد الباطل ورفض الفساد والمفسدين وأن تعض بالنواجذ على أخلاقك وقيمك العربية الأصيلة التي نشأنا ووعينا وتربينا عليها منذ نعومة أظفارنا، إبتعد عن التقليد الأعمى لعمائم السوء ولا تتبعهم في غيهم وظلمهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)! واعلم أن القلوب أوعية وخيرها أوعاها للخير لا للشر والناس على ثلاثة: فإما عالم مترفع عن الصغائر، أو متعلم واع، وثالث همج رعاع أتباع كل ناعق. ولا أظن أن متعلماً واعياً يتبع هؤلاء عتاة الجريمة والخيانة إنما يتبعهم الرعاع والمتخلفين. ونوجه سؤالنا إلى اتباع هذه المنابر الشيطانية فنقول : أليست تربية النفوس وترشيد الأخلاق وتنوير العقول (إن كانت هناك عقول) والصدق والأمانة هي دعوات صريحة في ديننا الإسلامي وكل الأديان السماوية، ألم يقل الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم (وإنك لعلى خلق عظيم) فأين أنتم من كل هذا؟

كان من نتائج الإحتلال الأمريكي الغاشم واستحواذ أحفاد البويهيين من الفرس على مقاليد الأمور في البلاد أن أهمل الجانب الأخلاقي في سلوك العراقيين منذ 13عاماً ولذلك نمت وترعرعت منظومة أخرى هي فساد أخلاقي وإجتماعي ومالي بتوجيه ومباركة من السلطة الغاشمة التي لا ترعى في خلق الله الا ولا ذمة. فأشاعت السلوك المنحرف والتردي الأخلاقي وهذا بالتأكيد غير مستغرب لأن مجموعة من المجرمين واللصوص وأراذل البشر هم من يتصدر الحكم في العراق فانتشرت في المجتمع سلوكيات وتقليعات زائفة مبتكرة ومتدنية، استباحت الكثير من الأركان المقدسة التي يقوم عليها المجتمع ومثله العليا ابتداءاً من الشارع وانتهاءا بالجرائم الوحشية البشعة التي ينفذها الحشد الصفوي الشيعي من قتل للبشر وتمزيق أجسادهم وهم أحياء وتقطيع أوصالها وحرقها ببرودة أعصاب وقطع الرؤوس وهم يتباهون أمام الكاميرات يقهقهون ضاحكين!
هكذا اذن في وطننا المحتل تتشيخ القرود وتقهقه. يقول الشاعر:

تنزف في صدري الأيام     تصبح طوفاناً يغرقني

إننا نؤمن بأن الإنسان هو من يصنع التاريخ ويتحكم به من هنا نجد أن العراقي الشريف الأصيل عليه أن لا يترك الفقر والجوع والظلم ينخر في عظامه ويفتك به وبأهله وأن لا يسمح للحثالة الشواذ أن يجوعوه، فلا توجد منطقة مقفوزة خالية بين الفقر والجوع وبين ردع الظالم والقصاص منه والأخذ بالأسباب للمبادرة والرفض، هذا هو منطق التوازن في السلوك والمواقف. قال الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه : عجبت ممن لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج للناس شاهراً سيفه
أفلا تتعظون من هذا القول وأنتم تدعون شيعته المخلصين، نقول: أن على العراقي أن يجاهد في سبيل استعادة مكانة الأخلاق في المجتمع، وهي ليست أموراً خيالية أو مشاعر رومانسية أو أبيات من الأبوذية ومواويل على الربابة، إنما هي العمود الفقري الذي يقوم عليه الإنسان والمجتمع، إن قضية الأخلاق وما جرى عليها من تغيير هى أخطر وأسوأ ما خلفه الإحتلال وحكوماته المتعاقبة خلال 13 عاماً عجافاً. وسيأتي اليوم الذي يعاقب فيه الشعب هؤلاء الخونة عقاباً قاسياً رادعاً وسريعاً، فالردع وبكل قوة هو طريق الخلاص من السلطة الباغية الذين يعيثون فساداً وتقتيلاً وظلماً بأبناء الشعب، وكأن حال الشعب كما قال الشاعر:
في الصبح أصير بلون الليل     وفي الليل أصير بلا ألوان

وأتوجه بالنداء إلى رجال المقاومة البواسل الأماجد فوالله لقد حفظتم العهد لله والوطن والشعب وصدقتم القول والفعل فشدوا الهمة واسرجوا خيولكم لمقاتلة أحفاد كسرى والبويهيين الجدد وأحفاد ابن العلقمي الجديد واهزموهم كما هزمتم أكبر جيش في العالم وأبكيتم جنوده، فهربوا من العراق خاسرين خاسئين حان وقت القصاص من آل بويه وزعيمهم قاسم بن بويه سليماني وابن العلقمي الجديد هادي العامري الذي أرشد الفرس إلى عاصمة المجد والعروبة بغداد، لله دركم يا تاج الرؤوس وضياء العيون، يا فلذات الأكباد، ويا فخرنا وعزنا، أتمنى أن أقبل هاماتكم العالية وأيديكم، يا من تحفظون كرامة العراقيين، عليكم يتوقف مصير العراق والأجيال القادمة، العراق في أعناقكم أيها الأبطال وأردد قول الشاعر محمود طه:
أخي جاوز الظالمون المدى     فحق الجهاد وحق الفدى
أنتركهم يغصبون العروبة      مجد الأبوة والسؤددا

أقضوا مضاجعهم أيها الأبطال الأشاوس وقاتلوهم كما قاتلهم أجدادكم منذ الف سنة وقضوا عليهم على أرض العراق الأغر، أرض الشموخ والبطولة والمجد (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) التوبة آية 14.
إننا على يقين أن مكرهم وفتنهم لن تنفعهم لأنه ما أن تمضي هذه المحنة العسيرة وتنقشع غمتها وينتهي هذا الإبتلاء، حتى تزول حزازات النفوس وتنتهي الخلافات، بين أبناء شعبنا الأصيل وتلتئم الجراح، وتعود وحدة القلوب ويرجع التماسك وعندها سيزول مكرهم وخبثهم، وستقلع جذورهم وتجتث من مواقعها، وتقلم أظفارهم ويرحلون عن العراق الأبي الشامخ مهزومين مدحورين كما رحل سلفهم آل بويه وغيرهم من الفرس الصفويين عن العراق العظيم.
والله الولي والمستعان

* استاد التاريخ الاسلامي وعضو اتحاد المؤرخين العرب



0 التعليقات: