أخر الأخبار

.

احداث السودان .. دلالات التوقيت والقوى المحركة !


احداث السودان .. دلالات التوقيت والقوى المحركة !


عراق العروبة
أنمار نزار الدروبي



لايوجد مكان على سطح الأرض بمنأى عن التأثر بالمتغيرات ومفاجئات الأحداث أو تقلب المناخ واضطراب الطبيعة، وذلك ينسحب على المناخ السياسي والحالة الاجتماعية . ولو أخذنا مايدور على الساحة السودانية حاليا سنستغرب من عدم انجراف السودان في عاصفة ماسمي ب(الربيع العربي)، والأغرب أن المواطن السوداني لم يتعض من العواقب الوخيمة التي خلفتها العاصفة الهوجاء من دمار وخراب على جميع البلدان العربية التي عصفت بها رياح التغيير الصفراء . أما السؤال لماذا لم ينجرف السودان حينها ولماذا ينجرف حاليا ، فالاجابة على السؤال ستفضح ماجرى ويجري معا ؟ إن قرأة الحالة السودانية تستوجب فهم طبيعة الحكم الذي يقوده الرئيس عمر البشير منذ العام 1989، حيث أتى للحكم بعد أن دعمته الجبهة الإسلامية بزعامة الدكتور(حسن الترابي)الذي يعتبر من أبرز زعماء جماعة الإخوان المسلمين في السودان .

لقد أتت أحداث السودان مباشرة بعد مفاجئة زيارة الرئيس البشير لبشار الأسد في دمشق، وتزامنت مع قرار الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، هذا يدل ويؤكد على أن ما يحدث في السودان ليس عفويّا وتقف خلفه قوى محركة لديها أهداف تتجاوز مطالب الشارع السوداني . ولايمكن اعتماد ما أدلى به الرئيس البشير أو بشار الأسد من تصريحات إعلامية كمبررات سياسية مقنعة على صعيد أهداف الزيارة التي تعتبر خرق وتجاوز للقرارات العربية في مقاطعة نظام بشار الأسد والتي ستفتح الباب لزيارات مماثلة من دول أخرى مثل العراق ولبنان وغيرهما .

إن ذهاب الرئيس البشير على متن طائرة روسيّة الى سوريا يوضّح بأن الزيارة تتجاوز مستوى العلاقات بين سوريا والسودان بوجوب مهمّة كبيرة تفرض أعلى مستوى دبلوماسي في تداولها ؟ هنا دق ناقوس الخطر لدى محور تركيا الإخواني القطري وتلقت أصابع تحريك الشارع السوداني إشارة بقلب الطاولة على الرئيس البشير، أما الحديث عن فحوى المهمة الروسية السودانية فهي تخص سوريا ولا تندرج ضمن موضوع أحداث السودان .

في الحقيقة أن واقع النشاط السياسي في السودان معقد جدا ومتناقض الى مستوى تقاطع التيارات والاتجاهات حتى داخل التيار الإسلامي الغالب على الساحة السودانيّة، ولعلّ هذا التعقيد والتناقض يعد من أهم دعائم استمرار نظام حكم الرئيس البشير، حيث استطاع بدهاء أن يخلق توازن نوعي لا يسمح لأي تيار سياسي أن يتجاوز استقطابه ما يشكل تهديد لنظام الحكم، لدرجة أن البشير إستطاع سحب البساط من تحت حسن الترابي الذي جاء به لسدة الرئاسة السودانية. وقبل أن نستعرض أسباب الانجراف وطرق معالجته، من الضروري أن نعرج على أهم التيارات السياسية الفاعلة على الساحة السودانية ومدى استثمارها في تجاوز هذه المرحلة الخطيرة على السودان .

1. التيار الإسلامي المحافظ الذي يشكل تنظيم الإخوان المسلمين عصبه الرئيس وعمقه الأيديولوجي رغم تعدديته وينقسم الى قسمين أحدهما موالي لسلطة البشير والآخر معارض له، هذا التيار هو السائد على الساحة السودانية وله الغلبة في ولايات الوسط وشمال السودان .
2. تيار ديني طائفي متعدد المشارب وتشكل الجماعات الصوفية قاعدته الأساسية ويعتبر حزب الأمة السوداني بزعامة الصادق المهدي من أبرز المتصدرين لهذا التيار مع جماعة الطريقة الختمية .
3. التيار العلماني الذي يضم الأحزاب الناصرية والبعثية والحزب الشيوعي السوداني إضافة للنخب المثقفة الليبرالية المستقلة ضمن شرائح المجتمع السوداني، وهذا التيار في حالة نمو حاليا ويطرح نفسه ثقافيا كبديل سياسي إصلاحي عن التيار الإسلامي الذي فشل في بناء السودان .
4 .التيار السلفي المتطرف بجناحيه الدعوي والجهادي وهذا التيار يمثل الحاضنة الاجتماعية للجماعات الإرهابية ويعتبر جناحه الجهادي بمثابة خلايا نائمة يمكن تحريكها من قبل تنظيم القاعدة في أفريقيا أو تنظيم الدولة الإرهابي .

أسباب الانجراف ...

تطرأ الأحداث عندما تتوفر أسبابها وتجد دوافع مبررة وظروف موضوعية تسمح لظهورها في الواقع، ولعلّ جملة المسببات ماهو مستجد أو متراكم لم تتم إزالة عواقبه أو معالجة مخلفاته وتأثيره على السياسة السودانية داخليّا وإقليميا ودوليا .

1. استبداد وتفرد الرئيس عمر البشير وحزبه الإخواني بنظام الحكم وتضيق مساحة الحريات العامة مع تهميش وإهمال مكونات متعددة في المجتمع السوداني وعدم الإكتراث بعواقب ذلك على المستوى الدولي والإنساني .
2. التناقض الواضح في سياسات الرئيس عمر البشير، فتارة يتقرب إلى حكومات التطرف والاستبداد الراديكالية، وتارة أخرى يقدم نفسه داعما مخلصا لمحور الاعتدال العربي بقيادة المملكة العربية السعودية . ولعل البشير قد ذهب بعيدا عندما تقرب لإيران وتورط بتمرير شحنات سلاح لحماس والإخوان المسلمين، ثم ذهب أبعد في اندفاعه مع سياسة أردوغان التركية بضن التغلب على مشاكله الاقتصادية .
3. مشاركة السودان بأرسال قوات عسكرية في عاصفة الحزم شكلت إنعطافة سياسية لدى الرئيس البشير، هذه الإنعطافة لها تكاليفها في رصد حساب السياسة الإقليمية، بما جلبت عليه سخط تركي قطري إيراني على حد سواء. لأن مساحة المناورة على ضوء تطورات الأحداث في الشرق الأوسط لم تعد تسمح بمسك العصا من الوسط أو اللعب على الحبلين .
4. فشل الحكومة في معالجة الأزمات الإقتصادية وتحسين مستوى النمو والوضع المعاشي لغالبية فئات المجتمع السوداني بحيث تعرّض السودان لمجاعات متعددة خصوصا في غرب وجنوب السودان وبتقصير وعجز كان واضحا من قبل الحكومة .
5. فتح أبواب السودان للجماعات الأصولية والإرهابية بإيعاز مباشر من التنظيم الدولي لإخوان المسلمين و لمستوى إنشاء معسكرات تدريب وإيواء لتلك الجماعات، وقد نتج عن ذلك اعتبار السودان من الدول الداعمة للارهاب وتحميل الشعب السوداني أوزار وأعباء أثقلت كاهله بسبب تلك السياسة الخاطئة.
6. الأخطاء التي تم ارتكابها في معالجة أزمة الجنوب السوداني بما نتج عنها في توقيع اتفاق (نيفاشا).. وانفصال الجنوب السوداني إضافة للانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة في دارفور مما أدت الى عزلة السودان وفرض عقوبات عليه بضمنها إدانة الرئيس البشير بجرائم إبادة جماعية وملاحقته قضائيا من قبل المحكمة الدولية، وقد كان هذا الإجراء بمثابة إسقاط لحكمه دوليا وإضعاف لهيبته داخل السودان .

معالجة الانجراف ...

دقة تشخيص حالة المريض هي التي تحدد طريقة علاج المرض، والنجاح يتوقف على مهارة الطبيب وخبرته العلمية والعملية، إذ يبدأ بخطوة إعطاء المريض بعض المسكنات التي تهدأ من أوجاعه، ثم يبادر بإجراء فحوصات وتحليلات مختبرية وعلى ضوءها يتم التعامل مع المرض وعلاجه وفق مراحل. على مستوى السياسة لا توجد مشاكل تستعصي على الحلول ولا توجد مطالب مستحيلة التحقق، فيما يخص حالة السودان سنحاول إجمال أفضل أساليب المعالجة والتعامل بشكل نقاط ...

1. على الدولة أن تعلن تحمل مسؤوليتها وتعترف بالتقصير أمام الشعب ولا تحاول التنصل من خلال إتهام الخارج وتترك تقدير فعل المؤامرة للنخب الجماهيرية التي تحرص على الاستقرار وهي تدرك حجم الخطر الداهم في حالة انهيار النظام، وتعتبر هذه النخبة هي القيادة البديلة للشارع عندما تفقد الدولة توازنها .
2. أن تبادر الحكومة بسرعة الى توفير أكبر قدر من الحاجات الأساسية للمواطن خصوصا الخبز ومستلزمات المعيشة بحيث لا تترك ذريعة يمكن استغلالها من قبل الفئات التي تتربص الذرائع في تأجيج الشارع السوداني وخلق حالة الفوضى العامة بما ينتج عن ذلك من عواقب وخيمة تبدأ بفقدان التوازن العام وشلل الدولة أو تخبطها في احتواء غضب الجماهير .
3. تجنب استخدام العنف في مواجهة غضب الشارع والاكتفاء بحماية المؤسسات والمرافق الحيوية للدولة مع تسخير جميع وسائل الإعلام في تهدئة روع الجماهير وامتصاص الغضب بكل الأساليب والطرق السلمية الممكنة ..
4.مبادرة الحكومة في إصدار قرارات تناغم رغبات المواطن السوداني وإحداث عملية تغيير سياسي تتماشى مع متطلبات المرحلة ولو بشكل صوري، على سبيل المثال أن تتشكل وزارة جديدة مدعومة بشخصيات تتمتع بسمعة شعبية مقبولة وتنال ثقة الشعب، ولا بأس في عقد مؤتمر عام تشارك فيه جميع الأحزاب والقوى الوطنية لغرض الخروج من المحنة والمحافظة على الدولة والنظام العام .
5. أن تعدل الحكومة سياساتها التي تجلب المشاكل في المحيط الدولي والإقليمي وتنأى بالسودان عن التوترات والصراعات التي لا ناقة للسودان فيها ولا جمل، وأن تجنح الحكومة السودانية الى سياسة معتدلة تقوم على المصالح المتبادلة وتخلق إستقرار يسمح بجلب الاستثمارات للتغلب على الأزمات الإقتصادية الخانقة للشعب السوداني .
6. أمام دول الإعتدال العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر فرصة كبيرة لاحتواء النظام السوداني وعدم تركه فريسة للمحور الراديكالي الذي يلعب على حساب مصير ومقدرات العالم العربي، وتكمن هذه الفرصة في انتشال السودان من محنته بالوقوف معه ودعمه سياسيا واقتصاديا على وجه الخصوص .

نسأل الله تعالى أن يحفظ السودان وان يصرف عنه السوء ونيران الفتن والإعلام الإخواني المأجور في تركيا ... وإن يسوده الرخاء والسلام .

0 التعليقات: