أخر الأخبار

.

في حضرة عادل عبد المهدي


في حضرة عادل عبد المهدي


عراق العروبة
د . ياس خضير البياتي


كانت المفاجأة …صوت رزين يأتي عبر الهاتف: معك السكرتير الخاص لرئيس مجلس الوزراء. والرئيس قرأ مقالتك بشأن الفساد، وهو يريد ان يتعرف اليك ، ويناقش افكارها معك مباشرة، وقد اعددنا لك غدا موعدا خاصا مع الرئيس حسب طلبه، وهو ينتظرك الساعة الخامسة مساء . وستأتيك سيارة خاصة الساعة الرابعة للبيت لتنقلك الى مجلس الوزراء. 

انتهت المكالمة بسهولة، لكن الأمور عندي أصبحت أكثر صعوبة، ما بين فرحة اللقاء، وتشتت الأفكار، وتأويلات الحدث المرتقب، والخوف من المستقبل، لأنني اعرف ان مزاج القادة في اوطاننا لا يمكن فهمها بسهولة، وعليك توقع ما لا تتوقعه من المصائب الكارثية او الانفراج الإيجابي. وقد قرأت مرة ان أحد القادة العرب كان معجبا بمقالة كاتب، فطلب ان يحضر امامه ليكرمه، لكن بعد نصف ساعة من النقاش، طلب من مساعديه وضعه في سجن انفرادي لأن مزاجه انقلب فجأة لمجرد كلمة قالها الكاتب لم تعجب الحاكم . 

 كان الليل قبل اللقاء، ليلا من الأفكار المتناقضة، ووضع الاستراتيجيات، ماذا أقول له، وماذا سيقول لي، وماذا اطلب منه، وهل يمنحني الفرصة ان انقل له معاناة الناس والمثقف والمفكر، وهل اطلب منه ان يعيد نظام التقاعد الذي يقسم العراقي الى صنفين، صنف ما قبل 2014 وصنف ما بعدها، وكيف نعيد علماء البلد الى وطنهم، وكيف نجعل مدننا زاهية بالزرع والورود لا بالمزابل والمستنقعات؟، وتمنيات لا آخر لها في قاموس الوطن والمواطنة. 

وبدون مقدمات وتوصيفات، كنت في اليوم التالي في مكتب عادل عبد المهدي، وما شاهدته من بحبوبة الحياة، ومظاهر البهرجة، وطريقة العيش داخل القصر، جعلتني في دهشة لا توصف، وعرفت سر حب السلطة، والتشبث بها لأكثر من دورة، وايقنت ان من حق رجال السياسة ان تكون لهم صراعاتهم اليومية، ومعاركهم من اجل السلطة. وقلت في نفسي معاتبا: مالك يارجل وانت تحمل شهادة عليا، واسمك حاضر في المؤتمرات والمجلات العلمية، ومع ذلك لم تستطع ان تحجز لك مقعدا سياسيا في هذا القصر الجميل، رغم ان الذي جلس هنا وهناك، كان يمتهن ابسط المهن، وبعضهم مارس الحرام بالتزوير والخداع، ومازال سعيدا بها! كانت المفاجأة الثانية، انني رأيت رئيس الوزراء قادما من غرفته الى مكتب سكرتيره، وهو يرحب بي ترحيبا داظعا، ويصحبني الى غرفته الخاصة، وهو ممسك بيدي، محاولا أن يرفع الحواجز النفسية، ويكسر قيد المراسم الرسمية المعروفة، وهو يقول لي اهلا في بيتك يا دكتور. 

وبدأ يسأل أسئلة شخصية، محاولا جعل الجلسة ذات طابع غير رسمي. وأردف قائلا: أنا اتابع ما يكتبه الكتاب، وانا احترم أفكارهم، ويهمني الاستماع لهم مباشرة، وهذا ما جعلني اليوم انا اناقش معك ما تفكر به الحكومة لخلاص البلد من مشكلات كثيرة كالفساد والفقر والبطالة والكهرباء والماء، لأنني لا اخفيك قد ورثت مشكلات معقدة ومركبة عمرها أكثر من ربع قرن في كل الميادين، حتى اشعر اليوم انني في موقف لا يحسد عليه. وأتمنى منك، ومن الكتاب الآخرين، أن يأخذوا هذا الامر في كتاباتهم. كنت مسرورا لما يقول، ومتفائلا كثيرا، وهو يحدثني عن المستقبل القريب، فهناك خطة لجعل العراق يتلألأ بالأنوار بدون انقطاع خلال أشهر قليلة، واعادة مليارات الشعب المفقودة من سراق المال العام، ومحاكمتهم علنية امام الشعب، ومنح كل عراقي ارضا حسب مدينته، وتعيين الشباب في وظائف جديدة، وسحب السلاح من الجميع بدون استثناء، ورفع رواتب المتقاعدين في قانون واحد وليس قانونين، وجعل مدن العراق أجمل من دبي بنافورتها وزرعها ورياحينها وبهجتها ،وإعادة استقلالية العراق ،وجعل الجواز العراقي الرقم الأول عالميا ،وجعل المواطنة العراقية ماركة عالمية للسعادة والرفاهية ،بحيث نجعل المواطن شعاره امام الامم : عراقي وأفتخر . 

كنت اشعر بالفخر وأنا استمع له، وأمني النفس بأن العراقي سيطوي سنوات القهر والفقر والفوضى الى النهاية، ليبدأ أياما مشرقة في عهد الرئيس الجديد، وكنت أكثر سعادة وهو يقدم لي طابو السكن الجديد كهدية، لكنني فجأة تصببت عرقا حتى تبللت جميع ملابسي والتصقت بجسدي ، وشعرت أنى كالغريق يحاول النجاة من بين الأمواج ، وما بين الحلم الجميل، والاستيقاظ الحزين، ومحاولة العودة للحلم بعين واحدة لاستلام الطابو الجديد، اختفى كل شيء، ولم تعد الا صورة زوجتي امامي ، ومنظر بيتي وقد تحول الى بحيرة من جراء سيول الامطار. أغمضت عيني في حزن شديد، وانا أصرخ بقوة في الظلام الدامس: انه الطوفان الكبير أيها الرئيس!

0 التعليقات: