أخر الأخبار

.

شيخٌ ورئيسٌ وكلامٌ



شيخٌ ورئيسٌ وكلامٌ!!


عراق العروبة
د . صادق السامرائي




تابعت وقتها ما جرى بين فضيلة شيخ الأزهر والأستاذ رئيس جامعة القاهرة، وكان حوارا فكريا راقيا معبّرا عن رؤى وتصورات ذات قيمة ثقافية، ولم أجد فيه ما قرأت من تعليقات وكتابات وردود أفعال متنوعة.


فتساءلت لماذا الضجيج؟!

وحاولت البحث عن الإجابة، وهذه بعض العوامل التي ربما أسهمت بما حصل بعد الحوار:

أولا: أمية الحوار

الحوار ظاهرة غريبة عنّا، فمجتمعاتنا وعبر أجيال وأجيال ما تعلمت أو إطلعت أو شاهدت حوارا بين العقول في المجتمع، وما تعودَته هو السمع والطاعة وحسب.

ولهذا عندما نرى رموزا بهذا المستوى تتحاور نستغرب ونغضب، ونستنهض ما فينا من نمطيات وآليات وإنفعالات متصلة بها، وكأن عليهم أن لا يتحاورا ولا يكون لكل منهم رأيه.

ثانيا: القدسية

القدسية نزعة عاصفة في وعينا الجمعي، وتدفعنا إلى أن نجعل من أقوال الرموز بأنواعهم، وكأنها القول الفصل فيما يذهبون إليه، ولا يجوز الإعتراض أو التساؤل والتحاور بشأن ما يطرحونه ويذهبون إليه.

ثالثا: النرجسية

النرجسية قد تتحول إلى عاهة سلوكية، خصوصا عندما تمتد إلى ما ينتجه الشخص، وما يتصل به من كلام وخطاب ورأي وغير ذلك، وهذا يتسبب بالتصادم والإحتكاك، ويفضي إلى تداعيات سلبية مدمرة للوعي الجمعي، لإستشراء آفة التماهي مع الحالة أو إضفاء المفردات النرجسية عليها.

رابعا: الأنا المتورمة

المناصب تتسبب بإصابة الأنا الفردية والجمعية بتضخم مرضي، يدفعها إلى العماء الإدراكي وفقدان قدرات التبصر والفهم، فتحسب أن ما فيها ويبدر عنها هو الذي يجب أن يسود ويطغى، وغيره عدوان عليها ويستوجب الردع والإفناء.

خامسا: العاطفية

البشر يتعاطف مع ما فيه، وقد يراه في غيره من الحالات الماثلة أمامه، مما يؤدي إلى إستجابات متوافقة مع هذا الموقف العاطفي الأعمى، الذي يعتمد على آليات إنفعالية إنعكاسية سريعة ومتأججة ذات إندفاعية عالية.

سادسا: التعجبية

البشر يُعجب ويتعجب ويفعل العَجب العُجاب، وحالما يعجب فأنه يبدي ما يتفق وذلك من الحالات السلوكية وردود الأفعال المطلوبة، وعندما يكون في مواجهة الإعجابين، يضطرب سلوكه، وينطلق في تعبيرات توافقية للحفاظ على الحالتين.

سابعا: النقد والإنتقاد

الخلط بين النقد والإنتقاد هو السائد في مجتمعاتنا، فتحملنا للنقد ضعيف ونقرأه بعيون السوء والبغضاء، ونراه تقليلا من القيمة، ولا يمكننا أن نتصوره نشاطا معرفيا فكريا ثقافيا يساهم في البناء والتقدم.

ثامنا: هالة المنصب

لكل منصب هالته الوهمية، وأطيافه السرابية، التي تجعل الناظر إليه لا يراه وإنما يتصوره، ويلقي عليه ما فيه من الخداعات النفسية والبصرية المصنعة في دياجير الأحلام المكبوتة، فيكون الذي أمامه على غير طبيعته وجوهره، فيتواصل مع ما فيه لا مع واقع الحال الذي يتناوله.

تاسعا: الرأي الآخر

الوعي الجمعي في مجتمعاتنا لا يؤمن ولا يقبل الراي الآخر، وهذه معضلة سلوكية تسببت بتداعيات حضارية متراكمة ومستديمة، وأدّت إلى ضمور قدرات التعبير عن الرأي الآخر، والإلتزام بالرأي الذي يتحقق وينطلق من منصات التحكم بمصير البشر بأنواعها ومشاربها.

عاشرا: الإستبدادية

الإستبداد طبع بشري من الصعب تطبيعه والإنتصار عليه وترميمه، ففي كل منا يتوطن مارق مستبد عنيد، لا يقبل إلا ما يراه ويريده، ويحسب الآخرين من حوله بلا قيمة ولا رأي ودور، وعليهم وبلا إستثناء أن ينفذوا أوامراه ويباركوا آراءه وتصوراته فهو الذي بيده الأمور.

هذه بعض العوامل التي ربما دفعت إلى فهم وتلقي الحوار الثقافي الراقي بين الشيخ والرئيس على أنه غير ما ذهب إليه، ففيه من الدروس والعبر الحضارية الإيجابية ما لم نتناوله، ورحنا نتكلم بلسان ما فينا ووفقا للعناصر والآنفة الذكر.

فالحوار يغنينا ويهذبنا ويعلمنا وينوّرنا، وينمي طاقات كينونتنا الأبية القوية الساطعة، فلماذا نتفاعل مع الحوار بما يلغي الحوار؟!!

0 التعليقات: