أخر الأخبار

.

آمال الزهاوي


آمال الزهاوي
***********

عراق العروبة
سامي مهدي


قبل ثلاثة أيام أو أربعة مرت الذكرى الرابعة لوفاة زميلتنا الشاعرة المبدعة آمال الزهاوي . وهكذا رحلت الشاعرة الجميلة التي كانت حياتها كلها شعراً في شعر . رحلت وهي تقاوم بالشعر حياة العزلة وتطرد شبح الموت ، وظلت تكتبه حتى الرمق الأخير .

كانت زميلتي في كلية الآداب ، فنحن من دورة دراسية واحدة ( 1958 – 1962 ) درست هي في قسم اللغة العربية وأنا في قسم الإقتصاد . وقد عرفتها وكنت قريباً منها منذ تلك الحقبة . 
وآمال من مواليد عام 1940 ، أو 1941 ، وليست من مواليد 1946 كما جاء في بعض الكتابات ، وهذا ما تؤكده سنة دخولها الكلية و سنة تخرجها فيها .

كانت رحمها الله من أجمل جميلات الكلية . أنيقة في ملبسها ، بسيطة في زينتها ، مهذبة في سلوكها ، رقيقة في تصرفاتها ، عفيفة في علاقاتها . وهي ابنة عز ودلال ، كانت تقود سيارة حديثة فارهة أيام كان بعضنا يقطع الطريق الطويل إلى الكلية مشياً على الأقدام . وكان كثيرون يرونها فتاة أرستقراطية مدللة ، وهي كذلك في واقع الأمر ، ولكنها كانت تلقائية ، متواضعة ، لا تعالي عندها ولا مباهاة . 


والغريب أنها لم تكن ماهرة في قيادة سيارتها ، وظلت كذلك على مر السنوات ، فاقترفت حوادث سير كثيرة كانت هي المقصرة فيها وهي من يتحمل مسؤولياتها . وأذكر أنها دهمت مرة حديقة بيت متواضع قريب من كلية الآداب ، وكادت تدهس فيها امرأة كانت تخبز في تنور ، فابتزها أهل البيت واضطرت إلى استرضائهم بتعويض قدره ثلاث مائة دينار ، رغم أنها لم تلحق أي ضرر بالمرأة ، وكان هذا المبلغ كبيراً حقاً في تلك الأيام .

وأعرف أن عدداً من زملائنا أحبوها من طرف واحد ، أحست بهم أم لم تحس . ولكن ما من أحد منهم جرؤ على أن يبوح لها بهذا الحب ، وهي من جانبها لم تلق بالاً لأي واحد منهم ، وظل جميعهم يحتفظ لها بالود والإحترام ، وهي نفسها تبادلهم هذا الشعور . 
أذكر أنها عملت عام 1963 محررة في صحيفة (عراقنا الجديد) التي كانت تصدرها وزارة الإرشاد (الإعلام) وعملت أم نوار في الوزارة نفسها ، فنشأت بينهما صداقة استمرت حتى آخر أيامها .
وخلال الأعوام 1964 – 1967 كنت وعدد من الأدباء نتردد في المساء على مقر جمعية الكتاب والمؤلفين في شارع عمر بن عبد العزيز ، وكانت رحمها الله ممن يترددون عليه ، فتنعقد جلسات أدبية حميمة ، كان لها صوتها فيها المتميز ، ولكنها نادراً ما شاركت في أمسية شعرية من أماسي الجمعية الرسمية .
وبعد مدة من تأسيس مجلة ألف باء عملت محررة فيها ، ونشرت على صفحاتها بعض قصائدها ولكن في أوقات متباعدة . ومن المؤسف أن شعرها لم يحظ من لدن النقاد والدارسين بالاهتمام الذي يستحقه وكان في ذلك غبن لها ، وربما كنت أنا نفسي من المقصرين في هذا المجال .

تعد آمال الزهاوي من شعراء الستينيات ، وربما كانت الشاعرة الوحيدة بينهم ، فلست أذكر شاعرة غيرها بين شعراء تلك الحقبة . ويحمل شعرها أهم الخصائص الفنية التي اتسم بها عامة شعر الستينيين ، وقد غلبت عليه الهموم الوطنية والقومية ، وكانت القضية الفلسطينية همها الأول في المرحلة الأولى من مراحلها الشعرية ، وظلت كذلك حتى فجيعة احتلال العراق ، لتصبح هذه همها الأول الكبير .

تزوجت هذه السيدة الفاضلة من المرحوم عداي النجم ، وهو مناضل وطني معروف ، وأنجبت منه ولداً واحداً وبنتين . ومن المؤسف أنها تعرضت بعد زواجها بسنوات لفجائع متلاحقة يصعب على كل إنسان أن ينوء بحملها . ففي التسعينيات فقد زوجها بصره ، وظل كذلك مدة من الزمن حتى وافته المنية . وبعد ذلك بمدة أصيبت هي بجلطة دماغية شلتها وأقعدتها وجعلتها حبيسة البيت ، هي التي لم تعتد حياة السكون والركود . وفي عام 2007 خرج ولدها الوحيد مازن من البيت ولم يعد ، ويبدو أنه اختطف وغدر به ، فلم يظهر له أثر في مكان . 

ورغم أن ابنتها يسراً كانت تعيش معها وترعاها وتبرها طوال مدة مرضها ، كانت تشعر بالوحدة والعزلة ، ولم يكن يتفقدها إلا قليلون منهم صديقتها أم نوار . ولكنها كانت تقاوم هذا الشعور بكتابة الشعر ونشره على موقعها في الفيس بوك ، وكان أغلبه يتعلق بهمومها الوطنية . 

صدر لها منذ عام 1969 حتى وفاتها إحدى عشرة مجموعة شعرية ، فحبذا لو بادرت جهة ما إلى جمعها ونشرها في مجلد واحد أو مجلدين .


في 14 شباط 2019

0 التعليقات: